يقول المحلل النفسي "يونغ": "إن الكبت الجنسي ليس مجرد كبت غريزة, بل إن خطورته تجعل الإنسان يتدهور روحياً ومعنوياً, والعذاب ليس عذاب جسد لا يجد إشباعاً لغرائزه فقط, بل عذاب نفسي وإحساس عميق باليأس وانعدام القيمة؛ لأن الجنس هو طاقة حيوية وإيجابية تعمل على توازن الشخص روحياً ومعنوياً، والمكبوتين جنسياً يشعرون أن مرتبتهم الإنسانية قد هبطت إلى مستوى المعوق أو المجنون".
ويعدّ الكبت المحرك القوي في النظام النفسي لدى الإنسان، وعُرف بأنه العملية التي يحاول فيها الإنسان حماية الأنا عن طريق إبعاد الأفكار أو الخبرات التي تتصارع مع المعايير الأخلاقية أو تتعارض مع القيم والتي تسبب الألم على نحو ما، أما الكبت الجنسي فهو أعقد أنواع الكبت ومؤثر رئيس في حياة الإنسان منذ الطفولة حتى البلوغ، فكثيراً ما أدى هذا النوع من الكبت إلى اختلال في آنية الإنسان إذا ما استفحل وكوّن مع قوة الميول الغريزية وحدة متميزة في الشخصية، حيث تتحول هذه الميول الجنسية المكبوتة بعد أن تشق طريقها نحو الإشباع بكل أنواعه بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال سبل خافية ملتوية.
والكبت الجنسي له تأثير فعال في سلوك الشخص، وهذا النوع من الكبت يستنفد جزءاً كبيراً من طاقة الفرد ومن ثم لا يتبقى لديه إلا القليل لمواجهة أعباء الحياة وشدائدها.
عن الكبت الجنسي وآثاره السلبية التي يمكن أن يتعرض لها الشخص، التقت "الرأي" اختصاصيين للحديث حول هذه الآثار..
د. مجدي الفارس الأستاذ بكلية التربية في جامعة دمشق قال: "الكبت يحتل مقاماً خاصاً في الحياة النفسية عند الإنسان ويعتبر آلية من آليات الدفاع الأولية عن الذات يحاول فيها التحايل لإيجاد حلول لبعض المشاكل التي يعاني منها، وخاصةً المشاكل والرغبات الجنسية التي لا يستطيع إظهارها لعدم تناسبها مع قيم المجتمع ومعاييره.. وعندما يلجأ الفرد إلى حصر الدوافع الجنسية "المثارة لديه" في إطار يمارس هنا الكبت الجنسي، وكان من الممكن في مجتمعنا العربي أن يكون الكبت الجنسي أقل وطأة على الصحة النفسية فيما لو كانت الثقافة السائدة ووسائل الإعلام أكثر حذراً فيما تبثه، وأكثر قرباً من عاداتنا وقيمنا الأخلاقية".
فنستطيع وببساطة ملاحظة بعض أنواع "الاغتراب الأزيائي" وأقصد بهذا المصطلح اللباس غير المتناسب وغير اللائق القادم إلينا من ثقافات غربية كالعُري في اللبس والجينز الضيق والفتحات هنا وهناك..إلخ من مظاهر تثير الدافع الجنسي لدى من يشاهد هذه الإثارة المتنقلة في الشوارع، ويعتقد البعض أن كبت هذه الدوافع الجنسية هو الحل ولكن هيهات أن يكون ذلك فالكبت الجنسي يفاقم المشكلة، ومع تكراره وازدياده يكون التهديد أكثر قرباً من الذات وقد يؤدي إلى الكثير من السلوكيات الخاطئة وغير المتوقعة، ومن المفيد ذكره هنا أن الكبت الجنسي ومع تكراره يعيق الشخص تماماً عن اكتساب خبرات جديدة وجيدة فيما يتعلق بالتربية الجنسية الصحيحة، ويعيش في دوامة كيف؟ ومتى؟ وأين سيشبع ويرضي ويظهر كبته الجنسي؟
الباحثة النفسية أليسار علي فندي قالت: "من الطبيعي أن نكبت غرائزنا الجنسية ونتحكم بها، وأيضاً ألا تظهر في أوقات أو مع أشخاص لا نتوقع بهذه العلاقات أن تكون مشروعة ومدروسة في مسيرة حياتنا".
بالتأكيد أن هذه الكلمات هي شاملة وعامة ولكن إذا أخذنا مضمون الظاهرة وحيثياتها نرى أن الشرائح العملية المختلفة تختزن من الظواهر الجنسية كل على حسب التحفيز والاستثارة التي يتعايش معها وتكون حاضنة له، فالغرائز تُبنى على تحفيز جنسي يكبر ويتعاظم مع هذا المنبه والتربية العائلية المبنية على مبادئ وأخلاقيات ومصارحة بين الأفراد وخصوصاً الحوار الذي ينشأ ما بين الفتى والفتاة مع أحد الأبوين بالصراحة وعدم وجود خط أحمر يفصل بينهما فيكون عندئذٍ محرمات هذا الحوار كما تقول الباحثة فندي قد ألغيت وبالتالي يعبر الطفل وخصوصاً في سن المراهقة وحين اكتمال نضوجه الفيزيولوجي عن تساؤلاته ومكنوناته الغريزية بشكل تلقائي بحيث يريد أن يسمع جواباً ولو مبسطاً عن محتوى أفكار تترابط مع هذا التطور، ولكن عندما لا يجد التجاوب يحاول الحصول على أجوبة من مصادر أخرى يمكن أن تعطيه أفكاراً أخرى لا تتناسب مع شخصيته وتربيته والمبادئ التي نشأ عليها فيكون عندئذٍ البحث من قبله في أشياء أخرى تثير غريزته بشكل ما فإما أن يتناول هذه الغرائز ويعبر عنها بقالب غير مقبول أو يكبتها بحيث تؤثر على نفسيته، وهنا نجد أن الانعزال ووسواسية الفكرة تطغى على نشاطه الذهني.
وتقول أليسار فندي: "إن التعبير الغرائزي يأخذ أشكالاً وصوراً ينسجها الطفل في خياله وذاكرته وتصرفاته، ولا ننسَ مبدأ الانحراف بعدم وجود التوجيه الصحيح أولاً وأخيراً من قبل العائلة وهي من الآثار الفاجعة، فالإيحاءات والإيماءات من قبل الطفل في وجود منبه من كلا الجنسين تكون كبيرة، والاستغراقات الجنسية تتعاظم وتتفاقم وتؤدي أحياناً إلى ردات فعل لا يمكن إلا أن تكون سيئة في بعض الأحيان".
وتضيف فندي أن الغريزة الجنسية تتكون في مراحل الطفولة الأولى والثانية باللمس والاستثارة والتفكير وفي عدم التفسير، وإن عدم التفسير وتقويم هذا الجانب من شأنه أن يؤدي إلى تأثيرات سلبية بحتة ترافقه خلال سنوات عمره المقبلة.
والحل برأي الباحثة النفسية فندي أنه علينا ألا ندع وسائل التوضيح من مجلات وإنترنت أن تقتحم حياتنا إذا كانت ستسبب آثاراً جنسية لا يستطيع حتى الإنسان الذي اجتاز مرحلة التكوين المعرفي للجنس والغريزة مقاومتها، والتربية الجنسية الصحيحة كما ترى فندي تكون بالإجابات المنطقية والمتوازنة من خلال شرح الواقع الجنسي بشكل مبسط وعميق لأن هذا يعد الحافظ الوحيد لشخصياتنا وتوازننا العاطفي، ويعمل على تكوين أسس ثابتة للتعايش مع هذه الناحية الغريزية التي هي أساس حياتنا وتشكل البوتقة العائلية السليمة ولا تشكل أي ابتزاز أو انتهاك لسيرة أفكارنا وتحميها من الانحراف".
الباحثة الاجتماعية حنان محمد قالت: "كل شخص يمكن أن يصاب بهذه الحالة أي حالة الكبت، ومن المؤسف أن نسبة كبيرة من الأشخاص في مجتمعنا يجهلون معرفة ما الذي يعنيه الكبت وأظن أن السبب يعود بالدرجة الأولى إلى الكف دائماً من قبل المعنيين عن تزويد الشخص بالثقافة الجنسية المطلوبة، إذ لا يزال الشخص تنقصه الثقافة الجنسية مما يجعل تفكيره بهذه المسائل تفكيراً مرَضياً أكثر منه معرفياً، لهذا نرى العديد من الأشخاص الذين يصابون بحالات الكبت الجنسي كثر، ومن جانب آخر تلعب الموضة السائدة حالياً في جميع أنحاء العالم دوراً كبيراً سواء كانت هذه الموضة في اللباس أم فيما تقدمه الفضائيات "الفاضية" من مشاهد مرعبة للأجيال الحالية التي تأخذ مسألة الجنس على أنها هي المهمة في حياتنا، علماً أن هذه المسألة تعتبر من المسائل العادية عند العديد من بلدان الغرب، فعندما يرى شخص ما فتاة تلبس لباساً مثيراً سرعان ما ينظر إليها نظرته الشدهة فيصاب بحالة داخلية تجعله متوتراً لدرجة أن البعض يذهب ويختلي بنفسه وربما يمارس عادات بعيدة كل البعد عن أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا، وحتى الفتاة يمكن أن ترى شاباً يرتدي لباساً غريباً ومغرياً أحياناً وتصاب بالحالة ذاتها، إذ ليست المسألة مقتصرة على الذكر بل للفتيات أيضاً نصيبهم من ذلك، ولا شك أن للمعنيين دوراً كبيراً في ذلك، وحتى الأشخاص أنفسهم عليهم أن يكونوا ذواقين في لباسهم ومشيتهم وحديثهم بين بعضهم بعضاً، ويضاف إلى ذلك أنه لا بد من أن تخصص وزارة التربية منهجاً تعليمياً يجعل التلاميذ يتثقفون ثقافة جنسية منذ صغرهم كي تصبح هذه الحالة حالة طبيعية لديهم في المستقبل، ويصبح الآخر بالنسبة لهم موضع احترام قبل كل شيء وليس موضع إثارة".
مريم جبة، خلدون المزعل، (الكبت الجنسي.. خطر لا يحترم الأعمار)