تزامن صدور المرسوم رقم واحد لعام 2011 الذي قضي بتعديل بعض مواد قانون العقوبات من بينها المادة 548 التي مازال قتلة النساء يحتمون بها..مع اكتشاف جريمة شرف جديدة وفق الخبر الذي نشره موقع سيريا نيوز بتاريخ 11/1/2011 الذي جاء فيه: "قال مصدر في شرطة حلب لسيريانيوز أنه ألقي القبض على المدعو "صالح ج" تولد 1958 وولده "كدعان" تولد 1976 لإقدامهما على قتل ابنته-شقيقته بدافع الشرف منذ حوالي ثمانية أشهر في قرية باصوفان التابعة لمنطقة عفرين شمال حلب" وأوضح المصدر "اعترف الأب المقبوض عليه بإقدام ابنه على قتل ابنته ناديا خنقاً بمنزلهم بقرية باصوفان، بسبب فض بكارتها من قبل "عماد. ر" أثناء عملها ضمن ورشته المعدة لرش الخرز على القماش في محلة البستان باشا بحلب، ثم قيامهما بدفنها بجانب المنزل، وهو ما اعترف به الابن أيضاً".
ومع أن هذا التعديل الجديد شدد من عقوبة قتلة النساء بذريعة "الشرف"، إلا أنه في المقابل أعفى الجناة من أي عقاب في حالة الإيذاء غير المفضي للموت الذي يلحق بالمجني عليها، فقد يكون الإيذاء في حالات كثيرة أشد من القتل؟ وإن إبقاء النص بهذه الصيغة يعتبر تشجيعاً على إيقاع الإيذاء غير المفضي للموت بحق النساء تحت ما يسمى بجرائم "الشرف".
ومع ترحيبنا بتشديد عقوبة قاتلي النساء تحت مسمى "الشرف" إلا أن هذا التعديل لم يلبّ طموح السوريات والسوريين ومطلبهم العادل بإلغاء هذه المادة نهائياً، ومعاملة جريمة قتل النساء بذريعة "الشرف" كجريمة جنائية. لأن في استمرار وجود هكذا مادة في قانون العقوبات السوري يخالف مبادئ المساواة بين المرأة والرجل والحرية الفردية المنصوص عليها في المادة 25 من الدستور السوري، وكذلك المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي الإتفاقيات والمواثيق الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما يشجّع وجود المادة 548 على ممارسة العنف العائلي ويعتب تنازلا من الدولة عن حقها في مسألة التجريم والعقاب، كما يشكل تجاوزاً على سلطة القضاء حين يُمنح أفراد حق الاقتصاص المباشر واستيفاء الحق بالذات المعاقب عليها في المادة 429 عقوبات، ثم يلزم القضاء تخفيف عقابهم أو إعفائهم جزئياً من العقاب، كما يكرّس عقلية عشائرية تتناقض مع التطوّر الفكري والاجتماعي والحضاري.
ولما كان هذا التعديل الجديد قد صدر وأصبح واقعاً، فإننا نأمل أن يساهم في التخفيف من الجرائم التي تُرتكب بحق نسائنا وأمهاتنا وشقيقتنا وبناتنا.. تحت مسمى "الشرف". مع إننا كنّا نأمل أن يتم إلغاء هذه المادة نهائياً، واعتبار مرتكب جرم القتل في جرائم الشرف مثله مثل باقي المجرمين القتلة، ومعاقبته كمجرم قاتل يستحق العقاب بالسجن المؤبد كون هذا النوع من الجرائم يتم ارتكابها عن سابق تصور وتصميم وتخطيط وهو ما ينطبق عليه صفة القتل العمد المعاقب عليه بالقانون السوري بعقوبة الإعدام هذه العقوبة والتي أرى ضرورة إلغائها من القوانين السورية والاكتفاء بعقوبة السجن المؤبد كعقوبة قصوى. وأن يترافق ذلك مع التعميم على السادة القضاة بعدم شمول أي من الجرائم التي يتم ارتكابها بذريعة الشرف بأحكام المادة 192 من قانون العقوبات المتعلقة فقط بالجرائم التي ترتكب بدافع شريف. وقد أجمع فقهاء القانون على أن الدافع يكون شريفاً إذا كان متّسماً بالمروءة والشهامة ومجرّداً من الأنانية والاعتبارات الشخصية والمنفعة المادية وتكون أنية ولحظية ، وذلك بخلاف الجرائم التي تُرتكب بحق النساء التي لا يشكل الدافع الشريف عنصراً فيها، بل تُرتكب وفق تخطيط وبهدوء عن سابق تصور وتصميم .
إن جرائم القتل التي تحصل سواء في إطار حالات الزنى أو العلاقات الأخرى غير المشروعة، ليست بدافع الدفاع عن المرأة بذاتها بل بدافع حماية التقاليد أو المفاهيم الخاطئة أو غسلا للعار أو صونا للشرف، فيبقى الدافع الشريف الذي يستند إليه القاضي غطاء مصطنعاً، خاضعا لسلطته الاستنسابية.
ولمّا كانت الجمهورية العربية السورية قد وقعت وصدقت على عدد كبير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان).الإعلان العالمي لحقوق الإنسان,والعهد الدولي في الحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمواثيق الدولية، وأسس الحرية والمساواة في الحقوق والموجبات بين الرجل والمرأة المنصوص عنها في الدستور السوري) فإن هذه النصوص ليست للزينة، بل ملزمة التطبيق وتتمتع بقوة تنفيذية إلزامية تعلو قوة القوانين الداخلية..
المحامي ميشال شماس، (المطلوب إلغاء المادة 548 التي تبيح قتل النساء)