انحنت برأسها وكأنـّها تشرب ُ من مياه نبع ٍ صيفي ّ بارد، تصرخ ُ وتبكي وتنادي الإستغاثة، كانت صرخاتها تهز ّ عرش َ السماء فترتعد وتجمع ُ غيومها وعواصفها تبرق ُ وترعد ؛ تصرخ ُ على طريقتها السماويّة. وما أن أقترب َ بسكينه ِ حول عنقها وبدأ يجرّه ُ فاتحاً الطريق لدمائها كي تسيل فتغسل عنه “العار“، حتى بدأت السماء تهطل مطراً عاصفاً.
صريخها ينطفئ شيئاً فشيئاً، يتحوّل حشجرات ٍ متقطعة ويختفي. جسدها المبتلّ بالمطر يهتزّ ويرتجف وذكرياتها معه ُ تشتعل ُ وتنطفئ بوميض ٍ متقطـّع وكأنّها لا تصدّق ُ بأنّ آخرها هو القتل. أمّـا هو فكان يزيد ُ في ثباته ِ واصراره على ذبحها كالشاة حتى الرمق الأخير، وفعلاً، كان له ُ ما أراد ولفظت بين َ يديه ِ النفس َ الأخير، الزفرة الأخيرة، ارتعشت، وانتفض جسدها مودعاً الحياة.
في الغرفة المقابلة كان عددٌ من الأقرباء ينتظر أن يخرج َ البطل من معركته مع الشرف، وما أن عاد َ منتصراً حتـّى بدأت مراسم الإحتفال بغسل العار وتطهير الشرف.
هي الآن جثـّة مازالت دماؤها تسيلُ دافئة ً وجسدها يرتعش ُ بين حين ٍ وآخر مصارعاً ما بقي فيه من حياة طالباً إليها أن ترحل َ عنه ُ، فما عاد َ يحتاجها بعد َ ذبحه ِ.
... ويهطل المطر، يهطل الغزير ُ جدّاً، ترتعد السماء وترسل ُ كل ّ ما خبأته ُ من حزنها وهي تراقب ُ انثى، مثلها،تذبح ُ بكل ّ هذا الشرف (!؟).
في اليوم التالي، يحل ّ الصباح ليقطف َ آخر الندى عن الجثّة ٍ، تشرق الشمس معلنة ً يوماً جديداً، ويستيقظ الجميع ليمارسوا حياتهم بشكل ٍ عادي ّ... وأكثر.
لا أحد يتحدّث ُ عنها أو يذكرها بعد َ اليوم وكأنـّها لم تلد بفرح عائلي ّ مقدس، ولم تكبر بشقاء الطفولة ولم يتناقل عنها الأهل والأصدقاء المواقف المضحكة ولم يتسابقوا لتهنئتها في عيد ميلادها، لم تملأ غرف َ المنزل ضجيجاً وبكاء ً، لعباً وصراخاً. كأنّها لم تعدّ شموع السنين حتى تكبر، بل كأنـّها لم تكبر ولم تذهب إلى المدرسة، ولم تتعلّم القراءة والكتابة والحب،و لم تكوّن فكراً خاصاً وحلماً خاصاً، وكأنه لم يكن لديها أناس أحببنها بصدق. وكأنـّها لم تغفر للجميع أخطائهم مراراً، وكأنّ ما لديها من موت لا يكفي،و كأن ّ الياسمين لا ينبت ُ في العراء وحيداً وأنّ الفرح ليس َ ملكاً للسماء وحدها.