الأستاذة المحامية رولا مسوكر (محامية قاتل زهرة العزو، ضحية من ضحايا جرائم الشرف المستمرة بحماية من القانون السوري، والثقافة الذكورية، وثلة من مؤيدي العنف والتمييز باسم الدين والأخلاق!)، والتي سبق لها أن حاولت أن تنتقم من فضح تلك الجريمة البشعة مثلما تم فضح غيرها، عبر رفع شكوى إلى نقابة المحامين بدمشق حول "تسريب" معلومات عن محاكمة قيد الانعقاد ضد محامية زوج المغدورة، تجاوزتها النقابة بحكمتها وبعد نظرها! أطلت علينا اليوم بسابقة ستسجل باسمها ليس سوريا فحسب، بل عربيا وعالميا! ولكنها سابقة لن تثير فخر أحد!
فالأستاذة المحامية مسوكر، تقدمت مؤخرا بدعوى ضد النائب في مجلس الشعب د. محمد حبش، والعديد من الصحفيات/ين والفنانات (رهادة عبدوش، سمير شيباني، يحيى الأوس، هالة الناصر، ريما فليحان، يارا صبري) ممن واجهوا جرائم القتل بذريعة الشرف، وممن فضحوا قتل زهرة العزو ليس بصفتها الشخصية، بل بصفتها مواطنة سورية جرى قتلها قصدا وعمدا (كما أكد قاضيا التحقيق والإحالة)، وفضحوا كل العقلية الذكورية التي حاولت أن تصور القاتل على أنه بريء، وأن الضحية هي المذنبة؟! رغم أن الجميع أكد، بشكل أو بآخر، أن القاتل نفسه هو ضحية تلك الثقافة وتلك القوانين! لكن ذلك لا يعفيه من أن يلقى العقاب العادل بصفته قاتل عمد!
وقد نجحت في ذلك في المحكمة، حين خالفت محكمة الجنايات في القرار النهائي (بطريقة مثيرة فعلا!) كل الوقائع والأدلة التي أوردها كل من قاضيي التحقيق والإحالة بأن القتل تم التخطيط له وتنفيذه، وأن السبب الذي ادعى القاتل أنه وراء القتل كان قد جرى قبل زمن طويل جدا من وقت ارتكاب الجريمة.
إلا أنها لم تنجح، مثلما لم ينجح أحد من دعاة قتل النساء باسم الشرف أو بأي اسم آخر، في التمويه على حقيقة أن هذا القتل هو جريمة ضد النساء السوريات ذهبت ضحيتها آلاف النساء السوريات، آخرهن اعتراف الحكومة السورية بـ 57 جريمة قتل بهذه الذريعة في عام 2009 وحده، العام نفسه الذي كانت الأستاذة المحامية مسوكر تدافع فيه عن القاتل، وتقول أنه يجب تبرئته لأن (شخصا ما كان قد عيره بما فعلته أخته)!! فإذا، عند الأستاذة المحامية مسوكر، فإن "تعيير" أحد ما لأحد آخر بكلمة ما عن اخته، هو سبب كاف ومناسب ليحصل على "أوسمة" المادة 192 من قانون العقوبات!
وتندرج قضية زهرة العزو، مثل القضايا الأخرى كقضية هدى أبو عسلي، ولبنى فتاح، والأختين سفانة وجمانة.... تحت بند واضح وصريح هو الدعم القانوني (وغير القانوني) لقتل النساء السوريات بهذه الذريعة مع وعد مغر! ولذلك فإن كل تفاصيل هذه القضية، مثل كل تفاصيل القضايا الأخرى، لا تخص أهل زهرة، ولا زهرة نفسها، ولا -بالتأكيد- الأستاذة المحامية مسوكر! فقتل النساء السوريات ليس رهن بتصوراتها ولا بتصورات غيرها. بل هو عار يجلل كل من يقبله. بل عار يجلل كل مواطن ومواطنة في سورية القرن الواحد والعشرين.
الأستاذة المحامية مسوكر اختارت بعض الزملاء والزميلات ممن كتب حول قضية زهرة، دون أن تشمل جميع من كتب! ودون أن يبدو واضحا لم هذا الاختيار العشوائي؟ هل هي "بروفة" لتعرف لاحقا إن كانت ستكمل دعوى تلو الأخرى؟ ربما.
والواقع أن مئات السوريين والسوريات تناولوا هذا الموضوع، ضمنا قرار المحكمة، في الإنترنت والصحف والمجلات والراديو والتلفزيون.. ومرصد نساء سورية (وكاتب هذه المادة بشكل خاص) تناول هذا الموضوع منذ اليوم الأول للجريمة، وما زال يتناولها حتى اليوم! وربما نشعر بعقدة نقص أن الأستاذة المحامية مسوكر قد "أهملتنا" من شرف أن يكون اسمنا بين أسماء المدعى عليهم في دعواها!
ومن العدالة أن لا يكون هذا التمييز (وكل تمييز يتضمن عنفا) عند الأستاذة المحامية مسوكر! بل أن تراجع الدعوى لتضم إليها كل من كتب عن الموضوع، وكل رؤساء تحرير ومدراء تحرير تلك الوسائل الإعلامية..! فهذا أدعى "للعدالة"!
ولكن، ما فعل هؤلاء؟ لقد قاموا بالإساءة "للموكل"؟! أي لقاتل زهرة العزو الذي استفاد من المادة 192 بما أن جريمته، التي ارتكبت عن سابق تصور وتصميم، وعمدا، وبعد تجهيز كل الأدوات الجرمية المناسبة، واختيار التوقيت المناسب، استفاد من تلك المادة! رغم أن الجريمة، من جهة أخرى، ارتكبت بعد أكثر من عام على ما اتهمت به زهرة، وأثبت الطب والقضاء براءتها منه!
هؤلاء الوصوليون عديمو الضمير (المدعى عليهم)، رووا القصة بشكل مغلوط ليحققوا مكاسب صحفية بطريقة غير مشروعة! ياللهول!
لسنا ندري إن كانت أوبرا وينفري قد دفعت الأموال الطائلة لهؤلاء لكي يتكلموا في برنامجها الأشهر! ولا إن كانت جريدة الثورة قد دفعت مئات الآلاف من أجل مقالة نشرت فيها عن الموضوع نفسه! (غريب: كاتبتا الموضوع في الثورة، الزملاء هلال عون وجباوي لم ترد أسماءهما كمدعى عليهم؟!).
لنتحدى أولا الأستاذة المحامية رولا مسوكر إن كانت كلمة واحدة مما نشر خالفت ما خلص إليه قاضيي الإحالة والتحقيق، وقبلا ضبط الشرطة!
ولنتمنى، ثانيا، أن يأتي يوم فتسود الشفافية ويمكن للجميع وقتها أن يعرفوا كيف يمكن لأرقام معينة أن تتصاعد بطريقة معينة، في أزمنة مدهشة، وفي مناسبات غير مدهشة!
المدهش أيضا أن الأستاذة المحامية مسوكر، ربما بدون انتباه (!!) وضعت بين الوثائق مقالا نشرته سيدة أمريكية تعمل محررة في موقع أمريكي شهير حول المرأة اسمه "ومينز إي نيوز"! واسم الصحفية الأمريكية هو دومينيك سوغال!! لعلها ظنت أن هذا الموقع سوري، وأن السيدة دومينيك من مواليد حمص مثلا! أو لعلها تريد أن تدعي فعلا على الأمريكية سوغال لأنها "اخترقت" القواعد السورية!! لكنها ما تزال تبحث في القانون الدولي عن الطريقة المناسبة لذلك!
في الواقع يصعب إيجاد كلمات مناسبة لوصف ما يجري. فمن حق كل متهم، أيا كان اتهامه، أن يوكل محاميا يدافع عنه بكل إخلاص. أما أن يتحول هذا المحامي إلى مدافع عن القتل والعار المجلل في المواد القانونية المذكورة، فهذا ما لا يقبله منطق سليم!
ومن الصعب قبول "البراءة" حين تقوم المحامية نفسها بالدفاع عن القاتل، وبتقديم الشكوى إلى نقابة المحامين، والآن بأن تكون نفسها هي الموكلة في قضية لا هدف لها سوى النيل ممن يحاول جاهدا تخليص هذا المجتمع من العنف الذكوري المسيطر فيها.
إلا أن الأمر بات وادا! تستخدم اليوم قضية زهرة العزو، ضحية قانون العقوبات السوري، والعقلية الذكورية، سلاحا لضرب مناهضي/ات العنف والتمييز ضد المرأة!
وما لا تعرفه، ربما، الأستاذة المحامية مسوكر، أن القضية لا تخصها، ولا تخص القضاء السوري، ولا قانون المطبوعات، ولا من ادعت عليهم.. بل تخص قضية موطنة! قضية عنف بهيمي ضد النساء السوريات يرتكب كل يوم على مرأى ومسمع منها ومن غيرها! فـ "جرائم الشرف" ليست جرائم عادية. بل هي جرائم تطعن في جوهر وجودنا في بلد يتبنى مفهوم المواطنة! فأية مواطنة هذه التي تمنح الذكور حق القتل باسم "الدافع الشريف"؟ وأية مواطنة هذه التي تجعل "جنسا" أعلى بمراتب من "جنس" آخر؟!
وما لا تعرفه، ربما، الأستاذة المحامية مسوكر، أننا سنفعل الشيء نفسه اليوم، وغدا، وبعد غد.. طالما تمكنا من معرفة التفاصيل. لأن القتل هو عار ما بعده عار. ولأننا سنعمل كل لحظة وكل يوم لكي يستيقظ كل مؤيدي العنف والتمييز فيجدون وجوههم على المرآة مغطاة بدماء النساء السوريات المذبوحات! وأننا سوف نفعل الشيء نفسه فيما إذا (لا سمح الله) تعرضت هي (الأستاذة المحامية مسوكر) لمثل هذه الجريمة نظرا لأن طبيعة عملها تسمح لأي كان من أقاربها الذكور أن يسن سكينه ويذبحها! فلا أسهل من أن "يعير" أي عديم ضمير أخوها أو أبوها بسلوكها الذي لا غبار عليه إطلاقا، لكنها العادات والتقاليد!
ومن باب الخيال فقط، أتساءل: هل إذا حدث ذلك (لا سمح الله)، وأطلت روح الأستاذة المحامية مسوكر علينا من الأعالي، ستحتج علينا لأننا "نخرق قانون المطبوعات"؟! ربما!!
القتل باسم الشرف، والمادتين 548 (المرسوم 38 لعام 2009)، و192 من قانون العقوبات السوري، لم يعد من المقبول السكوت عليها بأي شكل من الأشكال. فهذا معيب بكل المعاني بحق التشريع السوري، والحكومة السورية، وحتى المحامين/ات السوريين/ات. ويجب فعلا أن ننتهي من ذلك إلى الأبد.
لكن، حتى ذلك الحين، فإننا مستمرين في عملنا بلا كلل ولا دأب. ودون انتظار إذن من الأستاذة المحامية رولا مسوكر، أو غيرها. فدم النساء السوريات ليست لعبة بيدها، أو بيد غيرها.
من هنا، فإن هذه الدعوى التي تشكل سابقة في سورية، والعالم، يجب أن تكون فرصة ذهبية للقضاء السوري ليعلن من خلالها أن تكريم القتل وتعليق أوسمة القتل على صدور الذكور هو عالم قد مضى إلى غير رجعة.
أما إذا كان غير ذلك، فنقترح على الحكومة السورية، مديرية السجون حصرا، أن تتبرع فتبني سجنا خاصا بهؤلاء المتمردين مناهضي العنف والتمييز، لتجمعهم كلهم فيه، ثم تصور كل قتل بهيمي باسم الشرف على شريط فيديو عالي الدقة وتعرضه تكرارا ومرارا على هؤلاء في محاولة (فاشلة على الأغلب) لإصلاحهم بتعويدهم على أن النساء السوريات لسن إلا حيوانات للذبح كلما عن على بال ذكر ما أن يشعر "بالتعيير"!
حتى ذلك الحين، وقبله، وبعده، سوف ننشر كافة تفاصيل هذا القتل والمحاكمات المتعلقة به ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. كما نعد الأستاذة المحامية رولا مسوكر أننا في مرصد نساء سورية سوف نتابع هذه القضية وننشر كافة وقائعها لكي نمنحها عذرا جديدا من أجل دعوى جديدة تزيد من شهرتها شهرة.س
والواقع، فإن أكثر ما يؤلمنا في هذا الموضوع أن نقابة المحامين باتت تتحمل القسط الأوفر من السمعة السيئة المترتبة على جرائم القتل هذه والمدافعين/ات عنها! وما زلنا نأمل أنها ستقوم قريبا لتعلن، بلا مواربة ولا مختالة، موقفا صريحا بدعمها لإلغاء المادة 548 (المرسوم 38 لعام 2009)، وتعديل المادة 192 بحيث لا يمكن تطبيقها أبدا على قتل النساء بهذا الدافع، ولا تقل العقوبة فيها عن 15 سنة كما طالب الملتقى الوطني الأول حول جرائم الشرف (10/2008).
فأقل ما يجب أن نفعله الآن من أجل سورية لا تقتل نساءها، أن نتخلص من هذا الوشم بلا تردد، وبلا أي ندم. فالعالم لا يتسع لحضارة وبربرية معا. إما الحضارة، وإما البربرية. ومنح حق القتل للأفراد هو، بالتأكيد، بربرية.
بسام القاضي، (أول دعوى قضائية في العالم دفاعا عن القتل باسم الشرف ضد نائب سوري وإعلاميات وفنانات!)