في شهر يوليو 2009 وقعت جريمة نكراء في قلب محكمة ألمانية تعالت أصداؤها في الشارع والصحف العربية والعالمية. شهدت جميع المواقع الالكترونية العربية سجالاً ورفضاً قاطعاً لجريمة قتل السيدة المصرية مروى الشربيني في ألمانيا على يد مجرم ألماني-غربي.
هذه جريمة يستنكرها كل ذي بصيرة أو دين أو عقيدة. وبناء على الحادثة المؤلمة أسبغ الشارع العربي على السيدة اسم "شهيدة الحجاب". قامت مظاهرات استنكار واحتجاجات في بعض الدول العربية الإسلامية مُدينة الغرب وعنصريته وعزت المشكلة إلى العداء والحقد الذي يكنه الغرب –للإسلام وقيمه. هذا خبر بائت وجرح مفتوح قابل للتأويل.
الخبر الآخر يتعلق بمقتل أربعة نساء مسلمات في كندا في شهر تموز 2009، لم تنشغل به الصحافة العربية ولا الإعلام العالمي، لم يصل صداه إلى الشارع الإسلامي، لم تقم المظاهرات الاحتجاجية على هذه الجريمة البشعة التي يجب أن يستنكرها كل ذي عقيدة، مبدأ ودين-أو لا دين. الضحايا، أو القتيلات في الحالتين نساء من أصول شرقية، إسلامية. القاتل في الحالة الثانية ليس غربياً وليس متعصباً ضد الإسلام ولا كارهاً للشرق وتقاليده. القتلة المشتبه بهم والمحالين إلى القضاء الكندي هم: الأم والأب والأخ الأكبر، حفاظاً على الشرف وعلى تقاليد كابول التي قدموا منها ليعيشوا في مونتريال الكندية منذ عامين، بعد أن أقامت الأسرة كلها 15 عاماً في دبي.
الفتيات اللواتي قتلن في مقتبل العمر أعمارهن ( 19، 17، 13) والسيدة الأخرى التي قتلت معهن (رونا أمير محمد-52 عاماً) وتقول الأخبار التي وصلت بالايميل مرفقة مع الصور من أخت الضحية المقيمة في السويد بأنها كانت الزوجة الأولى للرجل –رب العائلة- لكنه وأسرته أخفوا الحقيقة بقولهم أنها قريبة العائلة، إذ أن القانون الكندي لا يجيز زواج الرجل بأكثر من امرأة.
سيناريو الجريمة:
سافرت الأسرة بسيارتين من مدينة مونتريال إلى شلالات نياغارا، وفي طريق العودة استأجروا أوتيلاً للنوم ليلة واحدة في غرفتين منفصلتين. في ظهيرة اليوم التالي ذهب الأب إلى قسم الشرطة وأبلغ عن فقد بناته الثلاثة وقريبتهم. أخبر البوليس أن ابنته المشاكسة "زينب" قرعت باب الوالدين مساء وطلبت مفتاح السيارة قائلة أنها نسيت بعض الثياب في السيارة وستذهب لجلبها. لاحقاً وجد أحدهم السيارة غارقة في "قناة ريدو" قرب منطقة كينغستون، وفيها النساء الأربعة، محجبات وقد فارقن الحياة. ما أثار شكوك البوليس هو وضعية السيارة واستحالة أن تغرق تلقائياً بهذه الصورة في هذا المعبر المائي.
وصلت رسائل عبر البريد الالكتروني إلى البوليس ممن يدعون "أقرباء العائلة" بأنها جريمة قتل شرف. وأن الأب والأم والأخ كانوا يعتبرون تصرفات بناتهم مسيئة ومنافية لقيمهم، وكنّ عرضة للضرب والإهابة من قبل الوالدين. كما كشفت أخت القتيلة- الزوجة الأولى – للبوليس بأن أختها كانت تشتكي من زوجها وتخاف من طلب الطلاق لأنها مهددة بالقتل...وكانت تربطها علاقة طيبة ببنات زوجها.
الأم والأب والأخ(18 عاما) متهمون بجريمة قتل من الدرجة الأولى مع سابق الإصرار. يشتبه أنهم قتلوا المغدورات ومن ثم تم إغراق السيارة وهنّ داخلها في قناة ريدو. العائلة مثلت للمرة الثانية أمام المحكمة في شهر أوغست وما يزال التحقيق في ملابسات الجريمة ساري المفعول.
نقول قتيلات ولا نقول شهيدات، لأن مفهوم الشهادة أصبح فضفاضاً في هذه العقود الأخيرة، ولأنهن كنّ يطلبن الحياة التي هي أثمن من حجاب على الرأس أو برقع على الوجه. كنّ يطلبن الحياة على الطريقة الكندية التي تسمح للفرد أن يكون حراً في اختيار لون بنطاله، قميصه، حذائه وما شابه.
ببساطة نسأل: هؤلاء الذين لا يستطيعون تقبل ثقافة المجتمع الذي هاجروا إليه، أليست العودة من حيث أتوا، أكثر رحمة لهم ولأبنائهم من ارتكاب جرائم قتل أرواح بريئة؟!
وفي الهامش نتذكر الفتاة المراهقة الباكستانية التي قتلت منذ عامين في كندا على يد والدها وأخيها لأنها ضاقت ذرعاً بالحجاب وبالتقاليد، وصارت "تتمرد" على أسرتها وتريد العيش كما زميلاتها في المدرسة والشارع الكندي.
كانت على وشك أن تصبح لبنى شهيدة البنطال
كادت الصحافية السودانية لبنى أحمد الحسين أن تصبح "شهيدة البنطال" لولا حملة المناصرة العربية والعالمية التي هبت للدفاع عن حقها في اختيار بنطالها. ألقي القبض على لبنى أحمد الحسين مع 12 سيدة أخرى في أحد مطاعم الخرطوم في السودان، وأحلن إلى القضاء بتهمة ارتداء ثياب غير محتشمة.
-هذه الثياب غير المحتشمة هي بنطال فضفاض وقميص طويل- ياللعجب!
الصحافية العاملة في هيئة الأمم المتحدة، استقالت عن عملها ورفضت الحصانة التي توفرها المنظمة في هذه الحالة وأصرت على مواجهة مصيرها، والدفاع عن نفسها بموجب القانون. ربحت لبنى بنطالها وصوتها، واكتفت المحكمة بتغريمها مادياً. رفضت أيضاً أن تدفع الغرامة، لكن جهات أخرى قامت بتسديد الغرامة بدلاً عنها.
هذه عتمة فادحة أيها العالم فلنقل: مساء الحرية أيها القانون الموتور، أيها العالم، أيتها العتمة: هذه ليست من قصص الخيال. هذه امرأة سمراء كان اسمها لبنى، كان اسمها شجرة، كان اسمها عاصفة، أرادوا أن يجلدوها أربعين جلدة في ساحة عامة في عالم اسمه "العربي-الاسلامي" لأنها تلبس البنطال حين تخرج. كانت ستجلد لأنها تلبس بنطالاً، لأنها تكتب الحرية بيدها اليسرى، وباليد اليمنى تقسم فتات الحلم اليابس على رفاقها، تغمسه بالغيمة وتحلم بالمطر. ليست لبنى بقليلة. حاصروا جسدها بالسياط لكنها قامت، وقفت، سارت إلى حلمها تتبعها أحلام النساء وأصوات الشباب المتمدن. قامت لبنى، سقطت زينب، قامت روضة، سقطت رونا. سقط العالم في العتمة، قامت لبنى، بصقت في وجه الجلاد دماً. لم تخرج يوما لبنى عارية. هتفوا لجلد لبنى، وهتف آخرون لحريتها، بانت عورة القانون والجلاد. ليست لبنى بقليلة.
أما البنطال يا سادة القانون الأعرج فهو زي عملي مصنوع من القماش، لا يعيق الحركة ولا يكشف إلا ما تريد المرأة أن تكشفه. وعلى كل امرأة أن تخيط بنطالاً وتعلقه على شرفة بيتها، أو تحفظه في حقيبتها كي تتذكر لبنى. لخياطة بنطال، يلزمك سيدتي قماشة ومسطرة، صابونة صغيرة، إبرة وخيط ومقص. يلزمك مقاس الخصر، طول الساقين، محيط الورك. بامكانك ان تضعي السحّاب من الأمام، من الخلف، على الجانب. وإذا كانت القماشة قابلة للمطّ –كما قوانين الشارع العربي الشريف- لا يلزمك سحاّب(سوستة) ومهارة في تطبيق قواعد الخياطة، وهذا أيسر من كل النواحي.
إلى متى سيحكم التخلف والتهور قبضته على رقاب نساء العالم في كل مكان، مرة باسم الدين، مرة باسم القانون، ومرات باسم الشرف؟! إلى متى سيستر القانون عوراته ويحسب في شعر المرأة، وجهها، صوتها، عورة؟!
مسيرة الدفاع عن المرأة وكرامتها في الغرب لم تنجز بعد، وفي بعض عقول وقوانين الشرق لم تبدأ بعد. ما تزال المرأة تقتل وتنتهك وتغتصب كلما قامت حرب، كلما قامت امرأة من قبر العبودية ورفعت بيرق حريتها في يدها اليمنى، وحلمها بحياة كريمة في اليد اليسرى.
في شهر سبتمبر، حضرتُ كمترجمة جلسة عمل مع نساء مهددات بالقتل، تعرضن للعنف الجنسي واللفظي والمعنوي. أحضرت مديرة الجلسة عددا كبيراً من القمصان المستعملة ووضعته على الطاولة. قالت لكل امرأة أن تختار قميصاً وقلم تخطيط ثم تكتب عليها جملة من سيرة العنف التي عاشتها، وبدون ذكر الاسم. جمعت القمصان من مراكز عدة، ونشرت على حبل غسيل بين الأشجار في ساحة جامعة"رايرسون" في داون تاون تورنتو، في حملة استنكار للعنف ضد المرأة. فكم حبل غسيل يلزمنا لننشر عليه قصص النساء العربيات-الشرقيات المقموعات والمعتدى عليهن.
*- ملاحظة من "نساء سورية": نشر المقال أصلا في موقع "كيكا"، وعنه نقلته مدونة السدير دون ذكر المصدر. تم تصحيحه بناء على توضيح الكاتبة.