أمر يدعو للأمل أن يعزز الإعلام السوري الرسمي تناوله لظاهرة جرائم الشرف عبر وسائله كافة. هذا ما بثته القناة الأولى في التلفزيون العربي السوري مساء يوم الجمعة 16/10/2009 وعبر برنامجها (في أروقة المحاكم)،
فقد قامت بلقاء بعض المتهمين بجرائم شرف من خلف القضبان، كما عملت على استطلاع رأي طال الشارع بكل شرائحه وفئاته العمرية والمعرفية، إضافة إلى لقاء بعض المحامين المهتمين بهذا الشأن للاطلاع على آرائهم وموقفهم من هذه الجرائم وتعاطي القانون معها، رغم التعديل الذي جاء به المرسوم التشريعي رقم37 حول تعديل المادة 584 من قانون العقوبات يتضمن ما يلي:
المادة 1- تلغى المادة 548 من قانون العقوبات ويستعاض عنها بالنص التالي:
يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلها أو إيذائها أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على أن لا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.
لكن، رغم التفاؤل الذي يجب أن يكون عظيماً من خلال آراء من التقى بهم البرنامج من الناس والقانونيين والمتهمين واستمزج رأيهم في مثل هذه الجرائم، تشكّلت لديّ بعض الانطباعات بعد هذه الحلقة من البرنامج:
- جميع المحامين الذين استُضيفوا طالبوا بإلغاء المواد المتعلقة بجرائم الشرف من قانون العقوبات السوري المعمول به حالياً، لأنها تفتح الباب على مصراعيه لاستمرار ارتكاب مثل هذه الجرائم الخطيرة بحق المجتمع والمرأة على حدّ سواء، كما راح بعضهم للمطالبة بإيجاد قانون ومحاكم خاصة بجرائم الشرف وكل أشكال العنف وقضايا الأسرة.
هذا الطرح من بعض أهل القانون (محامون أو محاميات) يُثلج الصدر ويدفع بنا إلى التفاؤل أكثر، ولكننا نتساءل: مادام رأي أكثريتهم على هذا النحو، فلماذا لا يتم الضغط على المشرعين وواضعي القوانين بضرورة الأخذ بما أتى عليه أولئك المحامون؟ ولماذا تُتجاهل قضية الإسراع بصياغة قانون يحمي حقوق جميع أفراد الأسرة السورية ويعمل على حلّ مشاكلهم بطرق خالية من العنف تتم فقط عبر هذا القانون، لاسيما أننا نلاحظ ندرة إصدار أحكام إعدام في معظم الجرائم المرتكبة خلافاً لما سبق من الزمن، فكيف يُقبل بوجود مواد تسمح لأي شخص بإنهاء حياة شخص آخر بدوافع بعيدة عن الشرف في كثير منها.
- جميع من استطلع رأيهم في الشارع على اختلاف أعمارهم وانتماءاتهم الاجتماعية والفكرية رفضوا مثل هذه الجرائم، وطالبوا بالتريث وإعمال العقل بدل الانفعال، والاحتكام إلى القانون كي يأخذ مجراه، وراح البعض يستنكر إنهاء حياة شخص لا يحق لأحد إنهاؤها سوى خالقها، إضافة إلى تساؤل بعضهم: لماذا تدفع الفتاة وحدها حياتها ثمن فعلةٍ الرجلُ فيها شريك أساسي لكنه تُرك طليقاً دون أدنى محاسبة.
ولدى سؤالهم عن رأيهم في حال اكتشاف حالة الزنى تفاوتت الإجابات ما بين التريث في ردّة الفعل، وما بين البحث عن الأسباب التي أدّت إلى ارتكاب هذا الفعل، ودراسة أسباب الانحراف عند الجنسين والناتجة في معظمها عن التقصير في تربية الأبناء تربية قائمة على الثقة والصراحة والحب( طبعاً برأي المستطلَعة آراؤهم).
هذه الآراء- إن كانت ناتجة عن قناعة حقيقية- تدفع فعلاً إلى التفاؤل بما وصلت إليه بعض أو الكثير من شرائح المجتمع وامتلاكها لوعي رافض لكل ظلم واقع على المرأة أو تمييز ضدها لصالح الرجل، إضافة إلى رفضها بعض العادات والتقاليد البالية التي تبتعد عن الحضارة والاحتكام إلى القانون كي يأخذ مجراه، بدل شريعة الغاب التي تُمارس في كثير من الأحيان، خصوصاً في قضايا تتعلق بالمرأة تحديداً.
وهنا نتساءل: مادام رأي الشارع قد ظهر على هذه الدرجة من الوعي ورفض مثل تلك الجرائم مهما كانت الأسباب، فلماذا ما زلنا نسمع عن جرائم شرف تقع هنا وهناك في معظم المحافظات..؟
هل لأن الاستطلاع تمّ فقط في مدينة دمشق وليس في الأرياف بما تتصف به من تمسك شديد بالعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية السائدة، أم لأن المتحدثين كانوا يدلون بآرائهم أمام كاميرا التلفزيون، وبالتالي لا بدّ أن يظهروا بمظهر المتحضر الرافض للعنف بكل أشكاله..؟ وبكلمة أخرى نقول: هل استطاعت المذيعة استدراج الناس لرفض هذه الجرائم قولاً أو لفظاً من خلال صياغة سؤالها والنطق به بطريقة أوحت لهم بضرورة هذه الإجابة، كما تمّ مع المتهمين الذين ظهروا خلف القضبان يرفضون ما قاموا به للحظات ثم يستدركون الأمر بقناعتهم بما ما أقدموا عليه من جريمة، وبأنهم غسلوا عارهم وحموا سمعتهم بين الناس، والضحية ذهبت وكأنها لم تُخلق؟!
وسؤال أخير أودعه لدى المنحازين للشرف بداعي العرف والدين:
إذا كانت كل الديانات ترفض مسألة الانتحار، والمتدينون يستهجنون قتل الشخص لنفسه، باعتبارها أمانة أودعها الخالق لديه ولا يحق له التصرف بها دون مشيئته، فكيف لهؤلاء أن يسمحوا لأنفسهم بالتصرف بحياة إنسانة من تلقاء أنفسهم غير آبهين بما ائتمنوا عليه...؟ أليس الدين منهم براء..؟
إيمان أحمد ونوس، (جرائم الشرف بين أروقة المحاكم والشارع)