رسالة صغيرة، كانت القرار الجاهز لقتلها، أرسلها له أصدقاؤه الذين نصبوا أنفسهم مدافعين عن شرفه وشرف عائلته، وضعوا حرفتهم اللاانسانية وسمومهم الكيدية، التي تناولتها دون أية شفقة إنسانية، يبلغونه فيها عن تردد صديقهم إلى منزله أثناء غيابه، هذا الصديق الذي كان له بمثابة أخ.
أسبوع كامل، تؤنسه رسالة هدر دمها، يخطط لقتلها كل يوم من هذا الأسبوع وفي كل مرة يؤلف سيناريو إجرامي يختلف عن الآخر، إلى أن رسا أخيرا على سيناريو قتل، هرب من مخيلة مشاهير كتاب هوليود، وسفاحي أمريكا، متذرعا بقانون ذكوري يسانده ويقف إلى جانبه في غسل شرفه.
أخبرها هاتفيا بأنه مشتاق لها، وسيسافران معا إلى القرية لحضور حفل زفاف أحد الأقارب، على أن تبقي الطفلتين عند أخته.
فرحت، تذكرت يوم زفافها... فستانها الأبيض.. خجلها أمام شيخ القرية حين سألها هل توافقين عليه زوجا لك، سعادة أهلها بأنهم تخلصوا من عبء أنثوي في ديارهم، فجأة رجفت... توترت.. تساءلت ؟!.. منذ سبع سنوات لم تذكر ذاك اليوم، هل لأنها فكرت في السفر وحضور زفاف قريبه ؟! قلقت ثم هدأت ونامت.
نعم كل ما تذكرته سيتحقق من جديد.. سترتدين الأبيض وستخرجين بانتظار جمهور غفير.. هذا الجمهور الذي لن ينتظر منكم هذه المرة كروت الدعوة..سيأتي مشاركا إما فرحا أو حزينا.. اطمئني كل شيء سيتحقق.. إلا شيئا واحدا..!! هو أن يكون هذا فرحك ! هذه المرة سيكون فرحه وأهله وأصدقاؤه ومجتمعه، سيصفقون له وسيزغردون وسيطلقون الرصاص احتفاء به.
يوم الخميس.. هو موعد إخراج السيناريو، وتصوير أولى وآخر المشاهد.
اختار المكان..البيت /غرفة الجلوس، حدد الزمان.. نهاري/ داخلي، الساعة الحادية عشر. بداية الحوار كان بسؤال عن علاقتها بصديقه!! تفاجأت.. صدمت.. أقسمت دون كلام بأنها بريئة..ابتلعت لسانها.. فقدت بصرها.. تسارعت دقات قلبها ووقف بشكل مفاجئ.. ماتت قبل أن تموت.. وقبل أي جواب ميت، انهال عليها بالضرب المبرح وتناول كبلا وربط قدميها وهي تستغيث، ثم علقها في السقف وجعل رأسها إلى أسفل، وضع طرف الكبل في الكهرباء، مرره على جسدها، وكلما أغمي عليها يعيد لها وعيها كي يعاود تعذيبها من جديد. مارس عليها كل الفنون العدوانية من ضرب مبرح على جسدها وجلد ولكم وحرق، إلى أن أرغمها على ترك رسالة بخط يدها، تعترف بها على علاقتها بصديقه و خيانتها له. ظنت أنها نهاية العذاب! فالسيناريو لم ينته بعد. أخذ سماعة الهاتف واتصل بصديقه المتزوج والأب لثلاثة أطفال صغار، يبلغه قدومه لأنه كان قد دعاه إلى السفر معهما لحضور حفل الزفاف. وما إن دخل وأغلق خلفه الباب حتى تناوله برصاصتين، أرداه قتيلا ورجع ليفرغ باقي الرصاص في رأس التي ماتت قبل أن تموت، وبكل برودة أعصاب، خرج من بيته شريفا عفيفا مبتسما أمام كل من رآه، حاملا إدانتها في رسالة، وبراءته بين يديه مدعيا بأنه وجد صديقه مع زوجته في البيت.
كشفت تفاصيل الجريمة كلها لكن لم يكن هناك أي إثبات على أنها خائنة سوى الرسالة التي خطتها ورسالة الأصدقاء، حكم عليه بالسجن ولمدة ثمان سنوات وحكم عليها أهلها بعدم تسلم الجثة أو إقامة مجلس عزاء لها، وتم رفض احتضان الطفلتين الصغيرتين من قبل أهلها وأهله.
هذه الجريمة لم تكن دراما تلفزيونية، إنها جريمة شرف حقيقية حدثت في ريف دمشق منذ أكثر من ست سنوات وقد يستغرب البعض ذكرها في هذا الوقت، ذلك لأن الزمن ليس مهما بالنسبة لهذا النوع من الجرائم، فكل القصص تتشابه سواء وقعت في الماضي أم في الحاضر، بأن المرأة هي الضحية، ضحية الزوج، ضحية المجتمع، ضحية القانون.
ولأن القضية لم تنته، بل بدأت! فهناك أسرتان دمرتا وأطفال صغار حرموا من الأب والأم. ما ذنب هاتين الطفلتين اللتين رفضهم الأهل من كلا الطرفين؟! ولنقل بأنهم ترأفوا بوضعهما وصغر سنهما وقبلوا احتضانهما ماذا كان حل يهما؟! وماهو مصيرهما في المستقبل والتهمة التي سترافقهن حتى الموت! وما ذنب تلك المرأة التي قتل زوجها وهي شابة صغيرة ولديها أطفال صغار.
لقد دمرت أسرتان نتيجة ثرثرة الأصدقاء، وتهور الزوج الذي استغنى عن رحمة الله به وبزوجته وابنتيه، وفي النهاية سيخرج الأب من السجن وسيرعى ابنتيه لكن هل سينسى قصة أمهن ولا يظلمهن ؟! وهاهم الأصدقاء يتابعون حياتهم الطبيعية وزوجاتهم وأولادهم، هل سيؤنبهم ضميرهم يوما؟! ويتذكرون بأنهم كانوا سببا في مقتل إنسانة ودمار حياة عائلتين!!
أليس ظلما من أهل الزوجة بعدم رحمتها وإكرامها وهي ميتة؟! وماذا لو كانت مدانة بالجرم المشهود ماذا كان مصيرها؟! أما كانوا من المباركين لقاتلها! أو ربما طلبوا منه أن يترك لهم نصيب في الانتقام بتفريغ آخر رصاصات المسدس بجسدها!.
إن الرحمة عقيمة لدى هؤلاء البشر، لطالما وجدوا حكم العادات والتقاليد أقوى من حكم الأديان السماوية التي لم تأت سوى رحمة للعباد، ناسفين بذلك مكانة الإله ورحمته بعباده.