احتفال بالموت.. قد تكون الكلمتان متناقضتين، ولكنه حقاً هو احتفالٌ بالموت.. خرج من السجن بنفس الحفاوة التي دخل بها وودّعه زملاء السجن على اعتباره «الرجل الرجل»، واستقبلته زغاريد النساء لأنه قتل تلك «الشاة»!.. أليس احتفالاً بالموت؟ فجمهوره الذي يهتف له لن يسمح له حتى بلحظة تأنيب ضمير.
ربما يجب أن يروا كلهم النظرة الأخيرة على عيني تلك الفتاة بسؤالهم: لماذا؟، ومن أنت حتى تفعل بي هكذا؟..
في يوم 29/10/2009 تحوَّل اليوم الأسود القاتل إلى يوم أبيض!.. قد يظنّ البعض أنه عنوان لقصة فيلم، لكنها حقيقة واقعة؛ فقاتل زهرة عزو خارج أسوار السجن، والحكم لم يكن متوقعاً، بالنسبة للكثيرين، وحتى للقاتل نفسه، فأن ترتكب جريمة قتل بدافع الشرف ثم يثيبك القانون على هذا الفعل ويعتبره مشروعاً، لهو أمرٌ يثير الاستغراب حقاً. والأكثر غرابة أن تعاقب فتاة على جريمة اغتصابها وقتلها من قبل أخيها حتى بعد موتها؛ لأنَّ القانون والعدالة لم ينصفاها.. لطالما انتظر الجميع صدور الحكم على القاتل إما بالسجن المؤبد أو الإعدام شنقاً عقاباً على فعلته الآثمة.. ثم يصدر الحكم بالبراءة!.. فالمشكلة لا تتعلَّق بالحكم الصادر عن المحكمة فقط، بل في مجموعة من التقاليد المتخلفة التي مازالت إلى اليوم تتحكم في عقولنا كمجتمع عربي. ولن يكون مستحبّاً لدى البعض أن نقارن مفاهيمنا الاجتماعية وعاداتنا بالغرب. ولكن ماحدث لزهرة منذ بداية تعرضها للاغتصاب، ومن ثم إقدام أخيها على قتلها، يدعونا للمقارنة الحتمية؛ فالاغتصاب (في العرف الغربي) جريمةٌ يعاقب عليها القانون الجاني لا المجني عليه، بعكس المجتمع العربي الذي تترسّخ فيه ثقافة الشرف، أي (ثقافة العرض وكيف يتمّ تدنيسه). فالمهم بالنسبة لمن يفكرون أو يعتقدون بهذه الطريقة هو الشرف الذي تمَّ تدنيسه، وليس مهماً بالنسبة لهم أن يتساءلوا: كيف؟ ولماذا؟.. فالجاني بريء والمجني عليه هو المتهم.
كثيرة هي التناقضات التي نتعايش معها ضمن مجتمع مازال يحتفظ بالعديد من العادات والتقاليد الموروثة (فيها الصالح والطالح)، ولكن ماذا بوسعنا أن نقول مادام القانون يقف إلى جانب الجاني ويصفّق له على فعلته؟!..
رسالة من زهرة:
أنا سأموت كغيري وستظلّ روحي تائهة حتى تجد جواباً وربما لن تجده..
من أجل الشرف!!!
ألا تريد أنت أن تعرف معنى الشرف أولاً أو أن تعرف قوانين الشرف.
أنا الشريفة حقاً وأنت مُدعيه، أنا المظلومة إطلاقاً وأنت الظالم، أنا التي لن يثكلني أحد وأنت من ستحيا، أنا التي سينصفني ربي وأنت ستعاقب.
القاضي، في جلسة المحاكمة، أعطى القاتل الحكم بثلاث سنوات. ولكن بعد نظر القاضي في مسببات وأعذار القاتل، خفَّف العقوبة مرة أخرى إلى الحبس مدة سنة، وبعد ذلك اعتبر مدة التوقيف ضمن المدة وأمر بإخلاء سبيله على الفور.
وبهذا الحكم، ماتت زهرة مرة أخرى، وعاش قاتلها معزّزاً مكرماً بين ذويه.