لا يخفى أن هذا الإلغاء للفقرة الأولى من المادة 548 من قانون العقوبات يشكل قفزة نوعية في تاريخ القانون السوري الذي تشبث لسنوات طويلة بثوابت لم يفهم لها أساس وأعطى الأمل لمزيد من التغييرات في قوانيننا المختلفة كالقانون المدني وقانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية.
وهذا الإلغاء اعتراف صريح بأهمية وجود المجتمع المدني الذي يستطيع بالتعاون مع الحكومة التغيير في المجتمع وتأكيد على أنه عون لها لا كما يصوره البعض بأنه صدى لأصوات تهدف لزعزعة المجتمع.
وبالمقابل لا بدّ للمجتمع المدني للاعتراف بأن الحكومة تتحرك بخطوات نحوه ليلتقيا معاً على درب واحد يساند المجتمع والدولة.
لكن التساؤل لماذا جاء هذا الإلغاء خجولاً فأتى تاركاً مساحةً لا بأس بها أمام أصحاب النفوس الدنيئة وكذلك أمام أصحاب العقول المتحجرة التي لا تعرف سوى القتل والاقتصاص الدموي لتفريغ مكنوناتهم متجاهلين أو ربما مقتنعين أن لهم الحق بالاقتصاص بعيداً عن الدولة التي تنحت جانباً تاركةً فسحةً لا بأس بها أمامهم لسنوات طويلة قادمة حتى تدرك الدولة والمشرعين مرّةً أخرى ضرورة الغاء المادة بأكملها امتثالاً لحق الدولة الوحيد والحصري بالاقتصاص في دولة تؤمن بالمؤسساتية والعقد المشترك بينها وبين المواطنين.
وللإجابة على هذا التساؤل هنالك عدد من الاحتمالات هل هو التخوّف من الجانب المناهض لتغيير القانون فلا يكون الغاء المادة بأكملها حل العقوبة والتخفيف منها صادما لهم؟
هل هو الاقتناع فعلاً بأن التخفيف أكثر عدلاً من الإلغاء النهائي وهو حفاظ على الشرف أو هو الاحترام لما يسمى فورة الدم؟
هل هو التخوف من الجانب المطالب بالتغيير كي لا يتمادى في طلباته وأحلامه فيعتقد أن حكومته ودولته تضعه أولى اهتماماتها ويتمادى في الدلال ويحلم بالقوانين المساوية بين جميع المواطنين نساء ورجالاً، أطفالاً وشيوخاً، معاقين وأصحّاء، فقراء وأغنياء.....؟؟
كثيرة هي التساؤلات التي تضعنا في حيرة ليست بعيدة عن مجتمعاتنا ودولنا لكن يبقى هذا الإلغاء للعذر المحل خطوة للأمام جديرة بأن يدونها التاريخ بعد انتظار دام مئة عام....
رهادة عبدوش، ("الإلغاء النصفي".. هل أنصف المجتمع؟؟)
