ثلاثة أخبار في صفحة الحوادث، قرأتها بالمصادفة في صحيفة محلية، وضعتني في مهب أسئلة حائرة عمّا يحصل في شريحة من مجتمعنا.
الخبر الأول بعنوان(القبض على تاجر حبوب يامسهرني)، وصراحة شدني اسم هذه الحبوب المبتكرة التي كما يشير الخبر تدخل في باب المخدرات، وهي بالمناسبة رخيصة الثمن، وتباع بأسعار تشجيعية لمحبي النوع، إذ لا يتجاوز ثمن الحبة الواحدة عشر ليرات سورية، وبحسبة بسيطة بإمكان من يرغب أن "يستمع ويستمتع" بمئة ليرة مثلاً،الحصول على ألبوم كامل من أغاني أم كلثوم، كأن يفترض مزاجاً مستوحى من أجواء "انت عمري"، ثم"هذه ليلتي"، وانتهاء بأغنية"شمس الأصيل". مكان الحادثة في إحدى ضواحي العشوائيات في ريف دمشق. هذه العشوائيات التي بدأت تفرض"ثقافتها" بقوة، نظراً لغياب الشروط الإنسانية لسكانها، وتداخل البيئات والهويات ومئات الشباب العاطلين عن العمل، فهؤلاء في المحصلة لم يجدوا أمامهم إلا حبوب "يامسهرني" لتزجية الوقت ومواجهة البطالة.
الخبر الثاني بات طبيعياً ونافلاً، فهو يدخل في بند "جرائم الشرف" التي عادت إلى الساحة بقوة، لكن بطل هذه الحادثة يتمتع بحس سينمائي وبصري واضح: تتوقف سيارة خاصة أمام فرع الأمن الجنائي في باب مصلى. يترجّل البطل بكامل عنفوانه وهيبته، ويكلّم الضابط برباطة جأش، بعد أن يفتح صندوق السيارة "استلموها". سيناريو محكم حقاً، لابد أن البطل درسه جيداً من اللحظة التي استل فيها السكين ليذبح ابنته، إلى أن حملها كبضاعة كاسدة إلى صندوق السيارة. لا نعلم بماذا كان يفكر في الطريق الى دمشق، وهل أصابه الندم؟ لكن ما هو مؤكد أنه كان يفكر بالزغاريد التي تنتظره من عشيرته، بعد أن رفع رأسه عالياً، وأسال الدم.هناك مفاجأة سيئة تنتظر البطل، على الأرجح لم يحسب حسابها- وهذا يحدث لدى هاني السعدي شخصياً في مسلسلاته التلفزيونية- فمابالك بهاوٍ، ذلك أن الضابط اكتشف أثناء استلامه الجثة المفترضة، أن الضحية لا تزال على قيد الحياة، فتم نقلها على الفور، إلى مشفى المجتهد لإسعافها، وهي الآن في غرفة العناية المشددة. يخشى بالطبع، أن ينجز البطل حلقة ثانية من الشريط، كأن يتسلل إلى غرفتها وينجز المهمة نهائياً، فخيال كهذا ليس بعيداً عن تفكيره، خصوصاً أن مدة السجن محدودة، تشبه نكش الأسنان، ويمكن تجاوزها بالنوم"على جنبٍ واحد".
ولكن ماذا لو كانت عقوبته السجن المؤبد، وليس بضعة أشهر فقط، هل سيوافق على دور البطل أم إنه سيختار دور الكومبارس الصامت بكل طيبة خاطر؟
الحادثة الثالثة تنتسب إلى نوع آخر"تراجيكوميدي" تحت عنوان مثير هو"الانتقام حرقاً"، والمقصود هنا ليس شخصاً بل "ميكروباص". يقول الخبر: "أقدم شخص على إحراق"ميكروباص" خطيب شقيقته السابق، انتقاماً منه، لأنه فسخ الخطبة، وبدعوى التشهير بسمعتها، ما أسفر عن انفجار أيقظ أهالي المنطقة".
ما أغفلته من الأخبار الثلاثة يتعلق بالقبض على المجرمين بعد أن تعقّبهم "البوليس" بجهوده الحثيثة وعينه الساهرة.