دأبت بعض الثورجيات اللواتي وضعن أنفسهم في خدمة ثورة الأخونج الظلامية المنحطة على إطلاق الأكاذيب حول الواقع المجتمعي في سورية خلال العقود الماضية، بهدف تلميع صورتهن بصفتهن "معارضات" أمام أسيادهن، ومحاولة حصد بعض المكاسب المالية أو الوجاهية هنا وهناك.
ولن نتناول هنا (وفي الحلقات التالية) شخصيات وتاريخ كل من هؤلاء اللواتي بعن وطنهن للأصولية أو لأجهزة المخابرات العالمية، فأغلبهن معروفات إما بصفتهن تاجرات شنطة في مجال حقوق النساء، كن يملأن حقائبهن بالعرق والويسكي هدايا لمنظمي الورشات والمؤتمرات كي يتم دعوتهن مرة أخرى للسياحة، أو معروفات بأنهن تسلمن هيئات مهمة في سورية فنهبنها دون أن يقدمن أي عمل ملموس للمرأة السورية، أو هن بكل بساطة أجنبيات (بريطانيات وفرنسيات وأمريكيات) من أصول سورية، يعرفن عن الحدائق العامة في بلدانهن الحقيقية أكثر مما يعرفن أي شيء عن سورية.
بل سنحاول باختصار إضاءة بعض النقاط الأساسية التي لا يستطيع أحد نكرانها، والتي تشكل اليوم واحدا من أهم أهداف الثورة الأصولية الإرهابية التي تستهدف بالضبط هذه المكتسبات للمرأة السورية (والأطفال والمعوقين)، بهدف تدميرها وإعادة المجتمع السوري قرونا إلى الوراء. فيما يعمل الغرب الاستعماري الذي يقود ويدير هذه القطعان الاصولية إلى تدمير سورية بكل من فيها، وعلى رأسها منجزات المجتمع السوري، بهدف إظهار فشل مزعوم للدولة السورية يكون ممرا لتأليب الناس ضد وطنهم.
رغم وجود المادة الثالثة في دستور عام 1973، والتي تشكل انتهاكا لحقوق المواطنة جميعها وضمنا النساء، فإن الدستور المذكور نص صراحة على التزام الدولة السورية بدعم المرأة السورية واشراكها في التنمية. واستطاع في الواقع أن يحقق الكثير في هذا الاتجاه.
فمنذ ذلك الوقت حافظت الدولة السورية على كوتا للنساء في مجلس الشعب، بلغت حتى 30% من أعضائه. وتبوأت النساء جميع المناصب الحكومية باستثناء رئاسة الجمهورية. فمارست وظيفة نائبة رئيس الجمهورية، ووزيرة، ومديرة، وقاضية.. إضافة إلى المهن الحرة جميعها (طبيبة وصيدلانية ومعلمة و..)، كما شغلت نسبة مهمة من المناصب المتقدمة في القطاع الخاص في الكثير من الشركات والمؤسسات.
تشارك النساء أيضا في الجيش منذ ثمانينات القرن الماضي، إذ توجد كلية حربية خاصة بهن، وشاركن بفعالية في الحرب الوطنية التي تخوضها سورية اليوم ضد إرهابيي الإسلام السياسي الذين يستهدفون حقوق النساء وحريتهن وحياتهن أولا ما يستهدفون.
كما تشارك في قطاع الشرطة المدنية على نطاق واسع منذ عقود.
وباستثناء مجلس الشعب الذي هو أصلا مجلس صوري في سورية منذ زمن طويل، رجالا ونساء، فإن النساء في جمع المسؤوليات العامة الأخرى لعبن أدوارهن بكفاءة وفعالية عاليتين، ضمن شروط وظروف الوضع في سورية ما قبل ثورة البهائم.
في عام 2009 بلغ عدد النساء السوريات داخل سورية ما يقارب عشرة ملايين امرأة. أي تقريبا نصف سكان سورية. وفي العام السابق له (2008) بلغ عدد العاملات من النساء السوريات (15 سنة فأكثر) ما يقارب مليون امرأة (887.000)، ضمت نحو نصف مليون امرأة في سن العمل (15-54 عاما).
في العام نفسه كانت نحو 14.400 امرأة هي صاحبة العمل. كما بلغ عدد النساء اللواتي يعملن في القطاع العام (باستثناء رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء وشركات إنشاءات القطاع العسكري كالاسكان العسكري ومن مثلها) أكثر من 369000 امرأة.
ولا تشمل هذه الأرقام قطاع الزراعة عموما، والزراعة العائلية خصوصا، نظرا لغياب هذين القطاعين عن الاحصائيات المتعلقة بالعمل عموما.
وتشكل النساء النسبة الساحقة من العاملين في قطاعي التعليم ما قبل الجامعي (الخاص والعام)، ونسبة عالية من قطاع التعليم الجامعي. كما تحتل نسبة قريبة في قطاع التمريض.
تنص قوانين العمل السوري بكل وضوح على إلزامية المساواة بين النساء والرجال في الأجر للعمل نفسه منذ أكثر من 30 عاما. وهذا النص مطبق بدقة تامة في القطاع الحكومي والمشترك. أما في القطاع الخاص فيجري التحايل عليه بأشكال مختلفة.
الأمر نفسه فيما يخص إجازات الأمومة، تأمين الحضانة في مواقع العمل.
تفرض قوانين العمل السورية، الخاصة والعامة، شروطا على تشغيل النساء في عمل ليلي، وتمنع تشغيلهن في بعض الأعمال التي تؤثر على صحتها الإنجابية. فيما لا يوجد أي قانون أو اجتهاد يمنعهن من التملك بكافة أشكاله، وقيادة جميع أنواع المركبات الخاصة والعامة، والسفر داخل وخارج سورية بمفردهن، وما إلى ذلك من حقوق بسيطة مؤمنة في سورية منذ زمن طويل.
رغم أن قوانين الأحوال الشخصية في سورية هي قوانين دينية طائفية ترتكز على اعتبار المرأة كائن من الدرجة الثانية (إسلامية ومسيحية)، فإن هذه القوانين هي في وضع أقل سوءا بكثير من أغلب الدول التي يغلب عليها الطابع "الإسلامي".
يشمل قانون الأحوال الشخصية العام جميع الطوائف الإسلامية (سنة وعلويين واسماعيليين وشيعة) بأحكامه. فيما يخصص الدروز ببعض المواد الخاصة كمنع الزواج المتعدد. ويخضع المسيحيون لقواعد خاصة قبل أن يجري اعتماد "قوانين" خاصة بهم في أواخر العقد الماضي. ترفض قوانين الأحوال الشخصية المفاهيم الأصولية المنحطة كـ"بيت الطاعة" و"الحسبة". ولكنها تستمر بوضع النساء تحت سلطة كهنة الأديان والطوائف المعترف بها. كما تستمر برفض الاعتراف بحقوق متساوية فيما يخص عقد الزواج وفسخه.
يعاقب قانون العقوبات السوري كافة أشكال التحرش الجنسي. إلا أن الآلية الذكورية العامة هي التي تجعل من الشكوى في هذا المجال أمرا صعبا لأي امرأة. كما يعاقب على أي عنف جسدي يمارسه ذكر العائلة (أب أو زوج أو أخ أو إبن) في حال كان أذى مبرحا. ويمكن لأي امرأة أن تحصل على تقرير من الطبابة الشرعية في حال تعرضها لأذى جسدي ترك آثارا على جسدها، ويمكنها أن تعرض المعتدي للسجن 6 أشهر على الأقل.
ولا يكفي هذا القانون لمواجهة العنف الجسدي، عدا عن أشكال العنف الأخرى التي لا يعترف بها كالعنف النفسي والعنف الجنسي الزوجي. وكان إقرار قانون لمناهضة العنف ضد النساء بكافة أوجهه ومستوياته موضوع عمل دؤوب خلال السنوات الأخيرة قبل انفجار ثورة الأخونج المنحطة، شاركت فيه جهات رسمية ومدنية ورجال دين وقانونيين، ووصل إلى مسودة للقانون، إلى أنه لم يصل إلى نهايته بإقراره رسميا.
وتعد الثغرة الأهم في قانون العقوبات السوري في مجال التمييز بين النساء والرجال هي المادة 192، والمادة 548 اللتاني تمنحنان صك الشرف والبراءة للقتلة المجرمين باسم "الشرف". ورغم أن المادة 548 (التي أطلقنا بناء عليها حملة مناهضة جرائم الشرف منذ أيلول 2006) قد تم تعديلها مرتين لتصير أقل سوءا مما هي عليه، إلا أن المرصد مازال مصرا على إلغاء المادة جملة وتفصيلا بصفتها وصمة عار على جبين الشعب والقانون السوري. ولم يجر أي تعديل على المادة 192 التي تشكل المادة الأهم التي يستفيد منها القتلة المجرمون.
صادقت سورية على اتفاقية مناهضة كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) منذ عام 2002 (لم تصادق عليها حكومة الولايات المتحدة الامريكية حتى اليوم!)، مع تحفظ على بعض المواد أهمها المتعلقة بـ"التحكيم الدولي"، إضافة إلى التحفظ على إلزامية النص في الدستور على المساواة في الحقوق والواجبات بين النساء والرجال (نص دستور 2012 على هذا الحق، مع استمرار التناقض بين النص الجديد والمادة الثالثة التي تشترط ان يكون رئيس الجمهورية مسلما، والمواد التي تنص على شروط الترشح والتي تؤكد أن هذا الحق محصور بالذكر المسلم فقط)، وحق الأطفال بالحصول على جنسية أمهاتهم (وهو حق للأطفال أصلا وليس للنساء كما تطرح الاتفاقية)، وبعض التفاصيل التي تتعلق بالأحوال الشخصية كحق التنقل والعمل الخاص بالمتزوجات بغض النظر عن إرادة الزوج والتي قد تتسبب بحرمان المرأة من "الحضانة" عند وجود خلاف مع الطليق حولها.
قد تبدو هذه اللمحة السريعة أعلاه متناقضة مع هدف وجود هذا المرصد الذي شكل قائدا طليعيا لحركة المواطنة السورية عبر السنوات الماضية، فهذا المرصد دأب على التركيز على الثغرات وبصوت عال ونبرة حادة.
إلا أن هذا المرصد لم يغب عن عينه لحظة واحدة، بل كررها وأكدها مرارا، أنه يعمل ويقاتل من أجل حال أفضل يمكن لوطننا بإمكانياته القائمة أن يصله. وليس لأن الواقع السوري بالغ السوء أو متخلفا إلى المستوى الذي تحاول تلك التاجرات المأجورات تصويره اليوم، أو الذي ظن بعض المستشرقين أنه واقع قائم.
*- في حلقات تالية من العنوان نفسه سنضيء على واقع بعض الفئات الهشة الأخرى.
بسام القاضي، افتتاحية مرصد نساء سورية
2016/4/21