أكدنا مرارا في مرصد نساء سورية أن "ضجيجنا" كله يندرج في إطار تحسين وضع النساء في سورية قياسا بالإمكانية المتاحة، وليس استنادا إلى أن وضعهن في وطننا "بالغ السوء" كما يصوره الغرب الاستعماري ولحقته تاجرات وتجار حقوق الإنسان.
نعيد التذكير بهذه الحقيقة الآن لأهميتها في مواجهة الهجمة الأصولية التي يقوم بها الإسلام السياسي ضد حقوق المواطنة كلها وفي أساسها حقوق النساء، وتلحقه شلل من الذين واللواتي باعوا ضميرهم ووطنهم ويسخرون قضايا المرأة لخدمة مطامحهم السياسية التي كانت مشروعة قبل أن تصير خنجرا في ظهر سورية.
التمييز ضد النساء في العمل، هو أحد أهم أبواب قياس حال النساء في العالم. ليس فقط لأن العمل المأجور هو "بوابة" الاستقلال الشخصي الأكثر أهمية، بل أيضا لأن الحق بأجر متساو في العمل هو من أوائل الحقوق التي ناضل دعاة المواطنة الإنسانية، لا الذكورية البهيمية، لتحقيقها عبر التاريخ الحديث.
وللأسف يظهر الواقع أن واقع النساء في هذا المجال ما يزال يعاني من اضطهاد صريح وواضح يضاف إلى عدم الاعتراف بالعمل "غير المأجور" كعمل أساسي، مثل أعمال المنزل وأعمال الاقتصاديات المنزلية (الزراعة والتجارة المبنية على جهود الاسرة كالحقل والدكان وغيرها).
سويسرا التي تستخدم كـ"مضرب مثل" في التقدم والمواطنة اعترفت مؤخرا أن الفارق في الأجور بين النساء والرجال السويسريين الذين لهم نفس المهارات ويقومون بنفس العمل، يصل حتى 22% لصالح الرجال! أي أن المهندس الذي لديه مؤهلات المهندسية نفسها، ويقوم بالعمل نفسه، يقبل أكثر من المهندسة بـ 22%!
ولم تنفع القوانين التي تسنها الحكومة لمنع هذا التمييز، إذ يجد أرباب العمل دائما الطرق المناسبة للتهرب من القانون، وتخضع النساء السويسريات لشروط أرباب العمل هؤلاء للأسباب نفسها التي تخضع لها النساء في كل مكان: الحاجة إلى العمل! الأمر الذي اضطر الحكومة السويسرية إلى محاولة فرض تشريع ينص على إلزام الشركات والمؤسسات التي تشغل 50 شخصا فأكثر على تقديم دراسة للأجور كل اربع سنوات، تخضع للمراجعة الخارجية (من جهة مستقلة عن الشركة أو المؤسسة) لمراقبة هذا التمييز.
يكاد لا يختلف الأمر في سورية عما هو عليه في سويسرا من هذه الناحية. فرغم أن قوانين العمل تكفل المساواة في الأجور بين النساء والرجال المتمتعين بالمهارات نفسها ويشغلون العمل نفسه، فإن واقع الحال أن كثير من النساء اللواتي يعملن في القطاع الخاص يحصلن على أجور أقل من أندادهن الذكور. ويزداد هذا الفارق كلما ابتعدنا عن الشركات الكبيرة إلى المؤسسات والمعامل الصغيرة، وكلما ابتعدنا عن الوظائف "عالية المستوى" كالمدراء والمشرفين إلى الوظائف "متدنية المستوى" كالعمال على خطوط الإنتاج.
وليس حصر هذا الأمر في القطاع الخاص (الصناعي والتجاري والخدمي) جزافا. فالواقع أن العاملات في القطاع العام، وبكافة مستويات العمل، يحصلن على الأجور نفسها التي يحصل عليها الرجال، باستثناء تمييز ما يزال واضحا (رغم تقدم الحال قبل بدء الحرب الإرهابية على سورية) في شغل أدوار القيادة في العمل، والعمل على تكريس أعمال "نسائية" تكاد تخلو من الذكور كالتمريض والتعليم في مراحله المبكرة.
ومهما حاول البعض من دعاة التمييز خلق مبررات أغلبها وهمي يعبر عن الثقافة الذكورية، كالادعاءات باختلاف الإمكانيات البيولوجي أو ببعض خصائص الجسد الأنثوي كالحيض، فإن الواقع السوري لا يختلف عن الواقع في بلدان أخرى، قد حسم واقعيا أن هذه المبررات ليست إلا خرافات ذكورية هدفها الوحيد هو الحط من قيمة النساء، حتى إن استندت هذه الخرافات إلى ادعاءات دينية بأسماء مختلفة
المرأة السورية جديرة بأن تعمل، على العكس مما يروج له مسوخ الإسلام السياسي من اخونجية وغيرهم، وجديرة بأن تحصل على الأجر نفسه للعمل نفسه دون أي تمييز.
خاص، مرصد نساء سورية
2016/4/8