ينحو البعض ليقدس "الإنجاب" عند المرأة، فيربطها ربطا تاما بهذه "الخدمة" التي ليست سوى إمكانية بيولوجية تشترك فيها جميع الثديات على وجه الأرض.
فالإنجاب بحد ذاته ليس "معجزة" ولا "قيمة" خاصة في وجود الإنسان الإجتماعي. بل هو الطريقة التي تمكن هذا النوع من الإبقاء على وجوده من خلالها.
الأمومة هي كل ما يأتي بعد هذا "الإنجاب". بعد الولادة. كل ذلك العمل الشاق وطويل الأمد الذي يبدأ مع لحظة الولادة، وقد لا ينتهي حتى نهاية العمر.
هي ذلك الإهتمام اللحظي، الإرضاع، السهر، التنظيف، الحماية، الحنان، التربية، التوجيه، التعليم، التطوير، بناء الشخصية، دعم الشخصية.. آلاف المهام "الصغيرة" المرتبطة بعضها ببعض والتي تتوقف عليها، إلى حد كبير، الإجابة على سؤال: أي شخص أنا؟
وفي هذا المسار الطويل، دأب المجتمع على تخصيص المرأة به إلى حد وصل في بعض المجتمعات إلى العبودية. فأن يقوم شخص واحد بكل هذا العمل، وإلى جانبه كل العمل الآخر المتعلق بكونها "زوجة": الطبخ والجلي والغسيل والتنظيف.. يعني أنه لا يبقى للمرأة من وقت لتكون فيه "هي"، المرأة-الإنسان، وأحيانا حتى لتنام حاجتها البيولوجية من ساعات النوم.
وصحيح أن بعض أوجه التكنولوجيا ساهمت في تخفيف هذا العبء. لكنها تكنولوجيا لا تتوفر لدى الجميع من جهة، ولا تنجز إلا الجزء اليسير من هذه التفاصيل.
ما الحل؟ فالأطفال يحتاجون إلى كل هذا العمل حتى يكبرون وينضجون!
بالطبع ليس الحل كما يحلو للمدافعين عن استعباد النساء أن يقولوا: هل نرمي الأولاد في الشارع؟ متهربين مما يعرفونه جيدا: الحل هو أن يتوقف الرجال عن أن يعتبروا أنفسهم "سادة" في هذا الأمر، وظيفتهم إطلاق الأوامر وإسداء النصح، ومن ثم التمتع بأوقات وجودهم في البيت، خارج العمل، بشؤونهم الخاصة! أن يبدؤوا النظر إلى أنفسهم على أنهم بشر. لأن البشري يعرف أن هذا الطفل طفله، وأن مسؤوليته في تنظيف مؤخرته لا تقل أهمية عن مسؤوليته في تعليمه المهارات الإجتماعية! كما أن مشاركته في حمله وهدهدته وإطعامه هي واجبات أساسية، ليس تجاه زوجته وشريكته، بل أولا تجاه طفله نفسه.
الأمومة، وإن كانت مشتقة من اسم يطلق على المؤنث، إلا أنها مهمة ضخمة ومسؤولية كبيرة تقع على عاتق الأب والأم، وليس الأم وحدها. وكما أن تدان الأم التي تقصر في أدائها لهذه "المهمة"، يجب أن يدان أيضا الأب الذي يمتنع عن المشاركة في كل تفاصيلها.
خاص، مرصد نساء سورية
2017/3/24