لطالما كانت الحرب، كل الحروب، تطحن الرجال أولاً بسيوفها وبنادقها، قاتلة أعداداً كبيرة منهم، بحيث ربما تكون الحروب السبب الأول تاريخياً في قتل الرجال!
ولطالما كانت الحروب هذه نفسها تطحن النساء، لكن ليس بالحديد والبارود، إنما بالمزيد من سحقهن تحت وطأة الثقافة الذكورة التي تتصاعد وتتفاقم مع الحرب، مع دخول أعداد كبيرة في دوامة العنف التي تصنعها الحرب، واستساغتهم نقل ممارسة السلطة والقسوة من ساحة الحرب إلى "ساحة البيت"!
يدفع الرجال الثمن فوراً من حياتهم. ويدفعون ثمنا مؤجلاً من تكريس عبوديتهم مجدداً للأسياد الجدد الذين ينتصرون في الحرب!
وتدفع النساء ثمناً فورياً بالتشرد والفقر والمسؤوليات المنهكة المترتبة على غياب الرجال مؤقتاً أو دائماً، ويدفعن ثمناً مؤجلاً بدفعهن خطوات إلى الوراء تحت طاحونة السيادة الذكورية!
وفي مرات نادرة عبر التاريخ تمكنت النساء، والرجال خلفهن، من تغيير هذه المعادلة لتكون الحرب بوابة أفق جديد يبتعد الناس خطوة عن البهيمية التي تجعل الرجل الذكر سيداً، ويقتربون من الحضارة التي يكون فيها الإنسان إنساناً، رجلاً كان أو امرأة، متساو في الحقوق والواجبات مع غيره، كما حدث في الحرب العالمية الثانية مثلاً.
وليست الحرب السورية من هذه "النوادر"، بل هي تأكيد جديد على الحقيقة الأساسية من أن الحرب لا تقتل فحسب، بل تدمر المجتمع وتدفعه إلى المزيد من الهمجية والتخلف.
بالتأكيد لا تجوز المقارنة بين حال النساء السوريات تحت سلطة الدولة التي يحكمها تحالف النظام والإسلام السياسي المسمى "معتدلاً"، وبين حالهن تحت سلطة الإسلام السياسي الإرهابي (الأخونج والوهابية والداعشية وغيرها..)، سواء من حيث الواقع الفعلي والتشريعي، أو من حيث الإمكانية لتحسين الحال.
لكن عدم جواز هذه المقارنة لا يلغي حقيقة بسيطة: دفعت الحرب السورية وضع النساء السوريات جميعهن درجات إلى الوراء عما كان عليه حالهن في بداية 2011، أي قبل انطلاق ثورة الأخونج الإرهابية التي كان لها الدور الأهم في هذا التراجع المشين. وهو ما سنلقي الضوء عليه في مقالات لاحقة.
مرصد نساء سورية
2017/10/16