علاج التوحد: استعادة التواصل الاجتماعي عن طريق تحفيز الدماغ
يدرس بعض العلماء جدوى علاج الأطفال المصابين بالتوحد باستخدام تعديل الأعصاب بعد أن أظهرت دراسة جديدة أن الاعتلالات الاجتماعية يمكن تعديلها عن طريق تحفيز الدماغ. يقدم البحث الذي أجرته مؤسسة أودنيل لأبحاث الدماغ (O'Donnell Brain Institute) أول دليل على أن جزءاً معيناً من المخيخ وهو منطقة قريبة من جذع المخ والتي كان يعتقد طويلاً أنها لا تملك سوى أدوراً في تنسيق الحركة، بالغ الأهمية بالنسبة لسلوكيات التوحد. ويمثل كذلك هدفاً يسهل الوصول إليه من أجل تحفيز الدماغ عوضاً عن كثير من الدوائر العصبية المرتبطة بالتوحد والمدفونة عميقاً في طيات المخ.
وقال الدكتور بيتر تساي Dr. Peter Tsai الذي أدار هذا البحث من جامعة تكساس UT Southwestern Medical Center's Peter O'Donnell Jr. Brain Institute: "قد يكون هذا اكتشافاً قويا،. من وجهة نظر علاجية فهذا الجزء من المخيخ هو هدف مغرٍ، وعلى الرغم من أن التعديل العصبي لن يعالج السبب الوراثي الكامن خلف معاناة الشخص من التوحد إلا أن تحسين الخلل الاجتماعي لدى الأطفال المصابين بالتوحد يمكن أن يكون له تأثير كبير على جودة حياتهم".
استخدم البحث -وهو قصة غلاف المجلة الدورية Nature Neuroscience لعدد ديسمبر/كانون الأول- التعديل العصبي لإثبات أن البشر والفئران لديهم صلات متشابهة بين مناطق معينة داخل المخيخ والقشرة الدماغية والمرتبطة بدراسات التوحد. وأظهرت المراحل اللاحقة من الدراسة أن تعطيل الوظيفة داخل نطاق المخيخ أدى إلى سلوكيات توحدية وأن تحفيز الدماغ أدى إلى تصحيح الضعف الاجتماعي في الفئران.
الخطوة التالية هي ضمان أن تكون نفس التقنية آمنة على الأطفال على الرغم من أن الأطباء قد طبقوا التعديلات العصبية المخية على اضطرابات مثل الفصام (schizophrenia) فإنه لم يتم دراسته بعد على الأطفال المصابين بالتوحد. يخطط دكتور تساي لتغيير هذا الوضع من خلال دراسات مستقبلية في مركز UT Southwestern's Center للتوحد والإعاقات التطورية.
ويقول الدكتور تساي: "لم تحظ هذه المنطقة من الدماغ بالاهتمام الذي تستحقه فيما يتعلق بفهم التوحد"، مشيراً إلى أن معظم تركيز أبحاث التوحد كان على القشرة وهي منطقة من الدماغ مرتبطة بالإدراك. اضطراب طيف التوحد (ASD) هي أمراض تطورية عصبية تصيب نحو 1 من بين 68 طفلاً في الولايات المتحدة، إذ يتميز هذا الاضطراب بتحديات في التواصل والتفاعل الاجتماعي وأنماط السلوك المحددة والمتكررة.
من أجل فهم أفضل لدور المخيخ في تحفيز هذه السلوكيات استخدم فريق الدكتور تساي التعديلات العصبية ليظهر أن البشر والفئران لديهم صلات متشابهة بين القطاع الأيمن من المخيخ (Right CrusI domain) والفص الجداري السفلي من القشرة (Inferior parietal lobule). استخدم بعد ذلك مؤلفو الدراسة التصوير الدماغي لإثبات أن نفس هذه الصلات موزعة في مجموعة من الأطفال المصابين بالتوحد ونموذج فأر متوحد.
إضافة إلى ذلك بينوا أن أي خلل وظيفي في هذا القطاع من المخيخ لدى الفئران العادية أدّى إلى ضعف في التواصل الاجتماعي وسلوكيات غير طبيعية متكررة. وقد ذهب الفريق لأبعد من ذلك فتساءل عما إذا كان بإمكان التعديل العصبي أن يحسن السلوكيات. ومن خلال تحفيز الخلايا العصبية في Right CrusI من نموذج الفأر المتوحد أظهر العلماء أن تحفيز المخيخ قد حسن من السلوكيات الاجتماعية لدى هذه الفئران ولكن ليس من التصرفات المتكررة التي تميز مرض التوحد.
قال الدكتور تساي أن التأثيرات المحدودة قد تعكس تدخل أجزاء إضافية من المخيخ أو ربما الإطار الزمني المقيد الذي يمكن من خلاله تصحيح بعض السلوكيات. وعلى الرغم من ذلك، فقد أشار أيضاً إلى أن التعديل العصبي أدّى إلى استعادة السلوكيات الاجتماعية حتى عند الفئران البالغة. تشير هذه النتيجة أن الأطفال المصابين بالتوحد مازال بإمكانهم الاستفادة من العلاج حتى في حال تأخر التدخل إلى وقت متأخر من حياتهم.
وقال الدكتور تساي الأستاذ المساعد في علم الأعصاب والعلاج العصبي (Neurology & Neurotherapeutics) والذي يعتني بالأطفال المصابين بالتوحد واضطرابات المخيخ كجزء من خطة مركز التوحد والإعاقات التطورية: "أثارت النتائج التي توصّلنا إليها أفكاراً جديدة حول كيفية تورط المخيخ في التوحد، والأهم من ذلك أنها تشير إلى أن المخيخ قد يكون هدفاً علاجياً للمداواة".
عن "ناسا بالعربي"، 2018/10