القانون لم يلحظ.. لكنه يعاقب...المساكنة.. انقلاب على قيم الزواج التقليدية
بعد ست سنوات على علاقة حب تخلله الكثير من الشغف، قررت ميس العيش مع عشيقها تحت سقف واحد دون عقد زواج. لم تندفع ميس إلى هذه الحياة الجديدة بملء إرادتها، فذووها أعلنوا رفضهم القاطع زواجها منه تبعاً لاختلاف الدين، لا بل حتى المستوى الاجتماعي.. استجمعت قواها، وقررت أنها لن ننتظر أكثر لممارسة حياتها التي تريد، ولن تنصاع لهذا الكم المتراكم من الضغوط العائلية والعادات الاجتماعية.
والمساكنة برأي ميس، لا تعني بالضرورة القيام بعلاقة جنسية كاملة مع الطرف الآخر، ولا تعني السكن الدائم مع الشريك، مشيرة إلى أن أغلبية الشباب بمن ضمنهم طلبة كثر في الجامعات، يلجؤون لهذا النوع من العلاقات لكن بسرية تامة.
والسبب برأي ميس، هو التغيير الجذري الذي طرأ على نظرة الشباب إلى مؤسسة الزواج تبعاً للانفتاح الكبير الذي شهده العالم، والقدرة الكبيرة على التواصل مع المحيط الخارجي والتعرف إلى أنماط حياة جديدة لا تبدو بالسوء الذي يتم وصمها به في المجتمعات الشرقية، مشيرة إلى أن مجتمعات بكاملها ترى في الحياة الفردية وحرياتها شأناً مقدساً يجب عدم التنازل عنه لمصلحة عادات وتقاليد.
واعتبرت ميس أن التواصل مع العالم والالتحاق بالركب العالمي يتطلب القبول بحلوله للمشاكل المختلفة الاقتصادية والاجتماعية. بدورها ترى رنا أن المساكنة حل للكثير من العقد النفسية المتراكمة لدى الشباب نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
وتتساءل رنا عن الموانع من التقاء الفتاة بالشاب الذي تحب، مشددة على وجوب توافر عنصر الحب.
لكل عصر قيمه وأخلاقياته ولكل فرد الحرية فيما يختار طريقاً لحياته مادام يتمتع بالوعي الكافي، بهذه الكلمات برر عامر تجربته مع صديقته التي دامت لأكثر من سنة ولفترات متقطعة واعتبرها مرحلة مهمة للتعرف على الطرف الآخر.
ويعتقد عامر أن الأهم في حياة الإنسان هو العيش بسعادة، وإذا ما تعارض ذلك مع تعقيدات المجتمع ورؤاه فعلى الإنسان أن يختار.
وبيّن عامر أن اختياره كان صعباً، لأن الإيمان بالحرية الشخصية يتطلب تركيزاً عميقاً وقبولاً بهذا المفهوم بما له وما عليه، مشيراً في الوقت نفسه إلى بعض الأوقات التي تتطلب من المرء البرهان عن إيمانه بالحرية الشخصية له ولغيره منتقداً نفاق من يؤمن بهذا الأمر جوهرياً ويطبقه عملياً، لكنه ينكره علناً.
ارتفاع التكلفة المادية للزواج التقليدي.. الملل من العادات القديمة.. اكتشاف الآخر.. الحرية الفردية.. تلبية رغبات مكبوتة.
هذا بعض من المبررات التي تلقتها "الوطن" لدى خوضها عالم "المساكنة" الذي تلفه السرية في الأغلبية الساحقة من حالاته.
تمرد على القيم
عن مدى تطابق هذا الطرح مع منظومتنا القيمية الاجتماعية، يقول الاختصاصي الاجتماعي النفسي الدكتور محمود علي محمد: عندما يتحول الفرد إلى أداة ناسفة لكل القيم الاجتماعية ضارباً عرض الحائط بمنظومة القيم الأخلاقية، يعتبر هذا بداية انهيار الأخلاق وبداية لمشكلة حقيقة سيكون لها عواقب وخيمة لما فيها من تدمير للأسرة، والذي ينتج عنه بالضرورة تفسخ المجتمع.
ويشير الدكتور محمد إلى أن المساكنة حالة اجتماعية مرعبة مستوردة من بعض المقلدين للغرب، وهي شكل من أشكال تمرد الشباب على القيم الاجتماعية عندما لا تتوافر الظروف الطبيعة لتلبية دافعهم الجنسي، فيبحثون عن الطرق غير الشرعية و"المساكنة" هي التعبير عن ذلك.
واعتبر محمد أن سبب انتشار هذه الظاهرة لا يعود فقط إلى الوضع المادي المتردي والصعوبة التي يواجهها الشباب في توفير متطلبات الزواج، إنما يبرز أيضاً نتيجة التشدد الاجتماعي.
التناقض القانوني
قانونياً، أوضحت المحامية رهادة عبدوش أن القانون السوري لم يتطرق لموضوع المساكنة بشكل مباشر، إذ لم ينص بقوانين صريحة على موضوع العيش المشترك بين المرأة والرجل وإقامة علاقة جنسية تحت سقف واحد دون رابط عقد الزواج.
وفسرت المحامية عبدوش أن القانون لم يدن "المساكنة" أو يبحها علناً، مشيرة إلى أن قانون العقوبات يسمح بالحرية الجنسية للرجل والمرأة العازبين وهو من ضمن الحقوق الشخصية التي يصونها الدستور، لكن هذا القانون في حقيقته يعتبر "المساكنة" جريمة يعاقب عليها تحت اسم الزنا، حيث تعتبر جريمة الزنا من الجنح المخلة بآداب الأسرة وبحسب المادة 473 من قانون العقوبات السوري تعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين ويقضى بالعقوبة نفسها على شريك الزانية إذا كان متزوجاً وإلا فالحبس من شهر إلى سنة.
إذاً، فقانوننا السوري يقع في تناقض -برأي عبدوش- فهو من جهة يبيح العلاقة الجنسية بين المرأة والرجل الراشدين البالغين ومن جهةٍ أخرى يحرّمها، ومن المهم تأكيد ضرورة الاعتراف بهذه الظاهرة ومعالجة الخلل في نصوص القانون لتبقى على وتيرة واحدة فيحسم هذا الموضوع ويعالجه من خلال تشريع "المساكنة" بعقد خاص يحمي الأطراف. وترى عبدوش أن الحرية الشخصية لن تأتي منفصلة عن باقي القوانين، إذ لا يمكن أن تعطى الحرية الشخصية للمرأة دون أن تعطى لها حقوقها المساوية للرجل في الولاية والوصاية والجنسية.
تحريم مطلق
وفي الإطار ذاته، يعتبر الأب الياس زحلاوي هذه العلاقات خارجة عن أي شريعة، مشيراً إلى أن الدين المسيحي لا يقبل بها بأي شكل من الأشكال، متمنياً الحد من انتشارها لأن من يدفع فاتورة هذه العلاقة هي الفتاة باعتبارها العنصر الأضعف في المجتمع.
ويرى الأب زحلاوي المساكنة ليست وليدة اليوم، بل هي منتشرة منذ زمن بعيد لكن في حيز خفي وهي أحد أهم ظواهر الالتحاق بالغرب وبمنظومته الأخلاقية، والسبب الأهم في انتشارها برأيه هي الضائقة المادية التي يعيشها المجتمع إضافة إلى غياب الرادع الديني لدى الكثيرين، مشيراً إلى أن الحل يكمن في توفير الفرص للشباب للزواج في سن مناسبة، وهي مهمة تقع بالدرجة الأولى على عاتق الدولة بتوفير السكن الملائم.
"الشرع حرم المساكنة استناداً إلى حديث الرسول عليه الصلاة السلام: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)"، كما تقول السيدة أسماء كفتارو رئيسة منتدى السورية الإسلامي، معتبرة أن مجرد قبول هذه الفكرة لدى الشباب هو ضياع للأخلاق والقيم والمبادئ. والحل -بحسب كفتارو- يكمن في توعية الشباب واعتماد مبدأ الحوار الثقافي في الجامعات بالطرق الحديثة بما يتوافق ومع متطلبات الشباب، مشيرة إلى أن هذه المهمة ملقاة على وزارة التعليم.
وتؤكد السيدة كفتارو ضرورة الحفاظ على المدينة الجامعية من مظاهر الانحلال الأخلاقي باحتوائها مرشدين نفسيين واجتماعيين لتقديم المساعدة للطلاب.
زينب عيسى، (القانون لم يلحظ.. لكنه يعاقب...المساكنة.. انقلاب على قيم الزواج التقليدية)
عن جريدة "الوطن" السورية، 5/2/2012