مخطط البناء المدرسي.. نموذج مقدس أم قابل للتطوير؟
لا أعتقد أن أحداً ما يختلف معي على أن شكل المباني وتصميمها يؤثر تأثيراً واضحاً على الوضع النفسي لقاطنيه، وأعتقد أن ألوان الأبنية ووجود غطاء نباتي يؤثر على مزاج سكان المكان.. فالأبنية التي تحوي تفصيلاتها زوايا قائمة وحادة وألوان تدرج الأسود تبعث على التوتر، بعكس الأبنية التي تحوي تفصيلاتها خطوطاً انسيابية ومنحنيات، وألوانها زاهية بألوان نباتية تبعث على الانبساط وتدعو إلى الارتياح وتساعد على الهدوء النفسي والسلوكي.
مايهمني هنا هو الأبنية المدرسية، وأقصد ببناء المدرسة كل ما فيه من غرف صفية ومخابر وأدراج وردهات وغرف الإدارة ومكتبات مدرسية ومراسم وباحات وملاعب وقاعات أنشطة بأنواعها.
إذ إن شكل المدرسة الحالي لم يتغير في شيء منذ زمن ليس بقصير، ولم يتطور على الرغم من تطور لباس الطلاب والمناهج وأساليب التدريس والحاجة إلى غرف الحاسوب، وإبراز دور المكتبة والمخبر، والتركيز على نبذ العنف من المدارس، والتسليم بالمقولة العالمية (إن المدرسة يجب أن تكون مكاناً جميلاً بكل ما فيها من تفصيلات). فالمخطط المدرسي القديم مازال معتمداً، وتبدو المدارس القديمة والجديدة نسخاً طبق الأصل عن بعضها، وكأن هذا النموذج لا يأتيه الباطل من أمامه ولا من خلفه.. فالسبورة مستطيل بزوايا قائمة، والمداخل بزوايا قائمة، والنوافذ أيضاً كذلك، والردهات والأدراج وكل ما في البناء عبارة عن مستطيلات ومربعات بزوايا قائمة بألوان متدرجة من الرمادي إلى الأسود.هذا إضافة إلى المخطط بحد ذاته.. فالمكتبة لم يحسب حسابها، فغالباً ما تكون هي غرفة صف أو غرفة مستودع لا تملك أياً من مقومات المكتبة. والمسرح غالباً غير موجود، ومخبر التجارب هو إحدى الغرف، أضيف إليه صنبوران للماء، ولم يحسب حساب مستودع الأدوات فيه، فغالباً ما يكون مستودع الأدوات بعيداً. وموضوع المخبر بالتحديد يحتاج إلى شرح في مقالة تخصه بنفسه، فلا شيء مشجع على استخدام المخبر أو المكتبة.. والبناء بشكل عام خال من أي مظاهر جمالية أو لمسات فنية، إذ هو بشكله الحالي يدعو إلى التوتر أكثر مما يدعو إلى الانبساط والارتياح والهدوء النفسي.
والتشابه في الأبنية بحد ذاته، إضافة إلى ما ذُكر يبعث على الملل، فالطالب يمضي فترة الدراسة كلها، وهي إثنا عشر عاماً حتى لو تنقل من مدرسة إلى أخرى، يصادف الشكل والنموذج ذاته في كل مدرسة، أي أنه لا جديد في الشكل العام للمدرسة، ولابد أن نضيف مزاجية مدير المدرسة، الذي يجعل غرفة الصف غرفة حاسوب أو مخبر.. إلخ، أو العكس بحسب ما يراه هو مناسباً. وهذه المرونة تبدو ناحية إيجابية في مظهرها، ولكنها غالباً غير مبنية على أساس تربوي أو علمي، بل خاضعة لما يراه المدير مناسباً ليس أكثر.
فأنا أعتقد أن هذه المشكلة قد تبدو شبه مستعصية على الحل، ولكن في الحقيقة أرى أن الحل يكمن في فكرة ربط الجامعة بالمجتمع، وذلك على النحو الأتي:
1- يطرح على طلاب كلية التربية والمختصين في التربية والأبنية المدرسية السؤال الآتي:
ماذا تحتاج المدرسة التي تحوي أربع قاعات دراسية أو خمس أو ست.. إلخ من مستلزمات وغرف ملحقة.. مخبر …مكتبة.. إلخ؟ والمساحات اللازمة لها، وأيها متجاور أو مفتوح على بعض، وأيها أكثر استخداماً، حتى يتم التوصل عن طريق تقاطع كل الأفكار إلى أفضل النماذج؟
2-يطرح على طلاب كلية العمارة والهندسة المدنية على شكل مشاريع تخرج المعلومات السابقة للوصول إلى أفضل عشرين تصميماً، يراعى ما سبق ويراعى فيه الناحية الجمالية وحرية الحركة.
3- يُعطى طلاب مختصون بالديكور والفنون الجميلة التصاميم المعتمدة على شكل مشاريع تخرّج أو مسابقات مفتوحة لاعتماد أجمل الديكورات. ويراعى فيها الناحية الجمالية والمتانة، ولا مانع أن تراعى فيها الاقتصادية والألوان التي يحددها طلاب الفنون مع اختصاصيين نفسيين. ثم يدفع بهذه التصاميم إلى وزارة التربية لاعتمادها وتحويلها إلى قسم الأبنية المدرسية القائم على تنفيذ المباني المدرسية وإنشائها، ويستفاد منها أيضاً في ترميم الأبنية القديمة بحسب المرحلة التي يكون عليها البناء.. فنبتعد بذلك عن الرتابة والمباني ذات الملامح القاسية والمملة.. فنحن نريد لأبنائنا مكاناً جميلاً مفرحاً.
وأنا هنا لا أدّعي أنني مهندس للمباني المدرسية و أملك الخبرة التخصصية في هذا المجال، إنما اقترحت فكرتي بحكم عملي مدرساً أشاهد البناء وعيوبه وتأثيره على التلميذ والمدرس معاً، وأدعو كل من لديه فكرة في هذا المجال أو ملاحظة أن يطرحها بالطريقة التي يراها مناسبة.. فاجتماع الأفكار يؤدي بالضرورة إلى فكرة مقنعة ومتكاملة يناقشها المختصون، فتكون حجراً في بناء المشروع التربوي الحديث الذي نريده لسورية الحديثة.. والعزة والمجد لسورية.
صحيفة النور السورية، العدد 546، 2018/8