افتتاحية المرصد

19 أيلول 2005، كان موعدنا الأول في "مرصد نساء سورية" مع إطلاق أول صرخة سورية مناهضة لـ"جرائم الشرف"، الحملة التي ما زالت مستمرة حتى الآن بأشكال كثيرة مختلفة، والتي تسعى إلى وقف هذه الجرائم الهمجية التي ترتكب ضد النساء السوريات بذريعة "الشرف" في مسخ قل نظيره لمفهوم الشرف! وفي انتهاك واضح وصريح لحق الإنسان - المرأة في الحياة!

وتبين لـ "مرصد نساء سورية" أن نحو 200 امرأة سورية تقتل سنويا بهذه الذريعة، مع أسباب حقيقية مختلفة (الزواج بالتعارض مع إرادة الأهل، استقلال الفتاة في حياتها عن منزل أسرتها، الزواج من طائفة أو دين آخر، أي سلوك تقوم به المرأة ولا يعجب ذكور العائلة، الاستيلاء على إرث المرأة أو أموالها.. الخ)، وأن هذا القتل يرتكب على مساحة الوطن دون فوارق تذكر بين مدينة وريف، أو بين منطقة وأخرى، أو بين أتباع ديانة معينة أو طائفة معينة وأخرى.

"جرائم الشرف" هذه ترتكب في سورية لأسباب مختلفة ليس بينها "الشرف" بمفهومه الحقيقي المتضمن قيم الشهامة والإخلاص والتضحية والصدق والالتزام ومساعدة الآخرين.. وهي جرائم "جماعية" بكل معنى الكلمة، إذ اتضح أن القاتل ليس إلا طرفا واحدا من "مرتكبي الجريمة"، بينما تشكل الأطراف الأخرى شركاء مباشرين في الجريمة وهم:
- العائلة الكبيرة التي غالبا ما تقوم بالمطالبة بالقتل، وتنظيم عملية القتل، واختيار القاتل، وتأمين مكافأة مادية له، وضمان سلاسة عملية تسليمه نفسه لمخفر شرطة يكون قد تم ترتيب الامر معه مسبقا، وتقديمه لمحكمة معينة أيضا.
- العائلة الصغيرة (الأسرة) التي تعمل على تهيئة كافة الظروف الخاصة بتنفيذ القتل، خاصة خطط استدراج المرأة المستهدفة إلى الوضع المناسبة لقتلها.
- قسم الشرطة الذي كثيرا ما يتعاون مع القتلة خضوعا من أفراده للعلاقات المحلية الضاغطة، في ظل عدم وجود أي تشدد من قبل وزارة الداخلية تجاه مثل هذا التساهل.
- القضاء الذي يضع أبسط مفاهيم العدالة جانبا في مراعاته للعادات المحلية في مواجهة الانتهاك الصريح وغير القابل للبس للحق بـ"القصاص" الذي يجب أن يكون حصريا للدولة.
- مجلس الشعب الذي ما يزال صامتا بأغلبيته عن إدانة صريحة وعلنية لهذه الجرائم، ومطالبة حازمة بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، ووضع حظر قضائي على استخدام المادة 192 من القانون ذاته في هذه الجرائم.
- وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي تعمل جاهدة على منع وعرقلة أي عمل مناهض لهذه الجرائم، وللعنف ضد المرأة السورية بشكل عام، وترفض الترخيص لجمعيات سورية تهدف إلى العمل ضد هذا العنف، وتحل جميعات عملت ميدانيا في مواجهة هذا العنف، في الوقت نفسه الذي تفتح فيه الباب واسعا للنشاطات والندوات التي تؤكد على أن ممارسة العنف ضد النساء "شرعي"! وهو أغرب المواقف جميعا باعتبار أن سيدة تقف على رأس هذه الوزارة منذ عقد من الزمن! لكنها سيدة أكدت مرارا وتكرارا وقوفها الحازم والنهائي مع الهمجية الذكورية ضد الدستور السوري وجميع معايير المواطنة السورية، وأدنى معايير حقوق الإنسان!
- الاتحاد العام النسائي الذي تخلى عن دوره الأصلي في حماية المرأة من أي انتهاك لحقوقها، وتحول إلى جهاز ضخم يعمل على تنفيذ توجيهات الحكومة مهما تعارضت مع حقوق النساء! ولذلك لم يصدر حتى اليوم أية إدانة واضحة وصريحة لهذه الجرائم، وأية مطالبة غير قابلة للبس بإلغاء المادة العار (548) من قانون العقوبات السوري!
- وزارة العدل في تكتمها المطلق على حقيقة هذه الجرائم، وفي معارضتها الواضحة وغير المعلنة لأي تعديل يرفع الانتهاك الصريح لحقوق المرأة  بصفتها إنسانة ومواطنة على قدم المساواة مع الإنسان والمواطن السوري. وخاصة في تنبيهاتها الشفهية على أن أية مطالبة بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات، أو إصدار حظر قضائي على المادة 192 سوف تصدم بالرفض من قبل الوزارة.
- الحكومة السورية التي تتخذ موقفا "إعلاميا" مناهضا لجرائم الشرف، خاصة في المحافل الدولية، بينما تقف صامتة ومتفرجة على دماء النساء السوريات المذبوحات باسم "الشرف"!
- مجموعة من رجال الدين الذين يروجون أن "جريمة الشرف" هي "حلال" في الإسلام وتحمي أخلاق الأسرة السورية، في أبشع انتهاك صريح وواضح لأبسط مفاهيم العدالة الأرضية، فكيف السماوية؟ متناسين قصدا أنهم بذلك إنما يحولون هذا الدين إلى دين ذكوري مسخر لخدمة الرجال على جثث النساء!

هؤلاء جميعا هم شركاء مباشرين في الجريمة التي لا نعرف متى بدأت.. لكنها ما تزال مستمرة حتى القرن الحادي والعشرين في بلدنا سورية!

وتضمنت الحملة إدانة مطلقة للمادة 548 من قانون العقوبات السوري، المادة- العار التي تمنح القتلة مكافأة بإعفائهم من أية عقوبة، أو بتخفيف العقوبة إلى حد بعيد، كحق مسبق لهم حين يرتكبون جرائمهم تلك ضد النساء! المادة التي أثبتت حملة "نساء سورية" أنها تتعارض تماما وكليا مع جميع الأديان السماوية، بتأكيدات قاطعة من مجموعة كبيرة من رجال الدينين الإسلامي والمسيحي، ومن جميع الطوائف، الذين أدانوا هذه الجرائم واعتبروها جرائم قتل همجي لا علاقة لها من قريب أو بعيد بنصوص وروح الديانات السماوية. كما أثبتت الحملة أنها متعارضة تماما وكليا مع حقوق الإنسان وأي اعتقاد سام آخر.

كما تضمن مطالبة بوضع حظر قضائي يمنع تطبيق المادة 192 من قانون العقوبات السوري على أية جريمة ترتكب باسم "الشرف". وهي المادة الموجودة في أغلب قوانين العالم، والتي يحتاجها كل مجتمع، إذ تسمح بأخذ بعض الاعتبارات الخاصة حين يخرق القانون لدوافع شريفة فعلا (كخرق إشارة المرور من أجل إسعاف مريض مثلا)، إلا أن التطبيق السوري حولها إلى وسام على صدر القاتل الهمجي باسم الشرف! لذلك نطالب بوضع حظر قضائي يمنع أي قاض من الاستناد إلى هذه المادة في تقرير الحكم على القتلة باسم الشرف.

ويعمل "مرصد نساء سورية" منذ إطلاقه الحملة على إبقاء هذه القضية مفتوحة في النقاش العام على مساحة الوطن، في وسائل الإعلام ومجلس الشعب والمجتمع، حتى إلغاء المادة 548، وإصدار الحظر على المادة 192، وتغير الذهنية العامة باتجاه الإدانة الاجتماعية المطلقة لهؤلاء القتلة.

كما عمل المرصد على تقديم كافة الدعم الإعلامي والتنظيمي الممكن لجميع الأفراد والجهات التي ساهمت، كل من موقعه وبقدر إمكانيته، في مناهضة هذه الجرائم. خاصة العديد من الإعلاميات والإعلاميين الذين يعملون بجهد ملحوظ باتجاه مناهضة هذه الجرائم، وإلغاء كافة أوجه التمييز ضد المرأة السورية.

وفي سياق الحملة المستمرة إلى اليوم، قام "مرصد نساء سورية" بالعديد من النشاطات الهامة الهادفة إلى القضاء على "جرائم الشرف" اجتماعيا، وإلى إلغاء المواد- العار، وإلى تغيير موقف الحكومة من هذه الجرائم. وفيما يلي محطات من هذه النشاطات:
- إطلاق الوثيقة الوطنية مترجمة إلى العديد من اللغات في 19/9/2008.
- إطلاق حملة لجمع التواقيع المناهضة لجرائم الشرف بكافة الوسائل (مباشرة وعبر الانترنت)، وتم جمع أكثر من 10000(عشرة آلاف) توقيع حتى اليوم (أكثر من 85% منهم جمع بشكل مباشر من الناس، و15% عبر الانترنت).
- عقد ندوة خاصة بالبرلمانيين والبرلمانيات، حول "جرائم الشرف"، حضرتها 15 عضو وعضوة من مجلس الشعب الذي كان قائما وقتها، بتاريخ 25/10/2005.
- عقد أكثر من 16 ندوة مباشرة مع الناس في المحافظات السورية المختلفة (حماه، طرطوس، اللاذقية، حلب، دمشق)، إضافة إلى تقديمه كل الدعم والمساندة لندوات أخرى عقدت في الإطار ذاته.
- عقد ندوتين تلفزيونيتين على القنوات السورية (الفضائية والأرضية) مخصصتين لإدانة "جرائم الشرف" شارك فيهما قانونيات ورجال دين.
- المشاركة في العديد من البرامج التلفزيونية السورية المختلفة وتوضيح ماهية "جرائم الشرف" وإدانتها.
- نشر العديد من المقالات الصحفية في جرائد ومجلات سورية مختلفة.
- المشاركة في جميع النشاطات التي أقامتها جهات أخرى تناهض "جرائم الشرف".
- تقديم الدعم الإعلامي والتنظيمي لجميع الجهات التي ساهمت في مناهضة "جرائم الشرف".
- مساندة الإعلاميات والإعلاميين السوريين لإدراج مناهضة "جرائم الشرف" كموضوع أساسي مستمر في الإعلام السوري، وقد تم نشر أكثر من 400 مادة صحفية متعلقة بـ"جرائم الشرف" من إطلاق الحملة حتى اليوم.

ورغم أن العمل على قضية بهذه الحساسية، وفي ظل الموقف الحكومي الذكوري المؤيد لقتل الرجال للنساء، هو عمل شاق وطويل الأمد، إلا أن هذه الحملة نجحت فعلا في إحداث تغييرات هامة حتى اليوم، منها:
- تمكن "مرصد نساء سورية" من إنقاذ حياة فتاة عبر العمل الميداني المباشر مع المجتمع المحيط بها من أهل وبيئة اجتماعية ورجال دين ومحامين وقضاة.
- تمكن المرصد من إنقاذ حياة فتاة أخرى عبر تأمين الوضع الآمن لها، بمساعدة فعالة من جهات في محيطها.
- تغير مواقف العديد من رجال الدين باتجاه الإدانة القاطعة لهذه الجرائم، وترجمة هذا التغير بإدراج هذه الإدانة في عملهم اليومي.
- تأييد واسع من قبل العديد من الجمعيات المدنية السورية باتجاه إدانة هذه الجرائم.
- إدراج بند شبه ثابت في تقارير جميع منظمات حقوق الإنسان السورية حول وضع المرأة، وخاصة حول "جرائم الشرف".
- تغيير الاتجاه العام للإعلام السوري باتجاه المناهضة الصريحة والقاطعة لهذه الجرائم. بجهود مميزة وشاقة ومستمرة من قبل الإعلاميين والإعلاميات السوريات اللواتي أثبتن موقفا مميزا مناهضا لهذه الجرائم.
- إدراج مناهضة هذه الجرائم في الدراما السورية، بجود مميزة من قبل كتاب السيناريو والمخرجين والممثلات والممثلين السوريين.
- نجاح إحدى الجمعيات بتحويل دعوى "جريمة شرف" إلى دعوى "قتل عمد".

إلى ذلك، ما يزال "مرصد نساء سورية" مستمرا بعمله في مناهضة هذه الجرائم، بدعم ومساعدة فعالة من العديد من الأشخاص والجهات السورية الحريصة على التخلص نهائيا من كافة عناصر الانحطاط التي يعبر عنها التمييز ضد المرأة الممارس اجتماعيا، والمكرس قانونيا، والمؤيد من قبل بعض رجال الدين الذين حولوا الإسلام إلى أدوات ذكورية هدفها الوحيد هو الحط من قيمة النساء وتحويلهن إلى "خادمات متعة" للرجل!
وما تزال حملة جمع التواقيع المناهضة لهذه الجرائم مفتوحة لمن يرى أن هذه الجرائم ليست إلى جرائم همجية ترتكب باسم "الشرف"، وتعبر فقط عن مدى انحطاط القتلة والمحرضين على القتل، والمساهمين في إبقاء هذا القتل معززاً ومكافأ عليه في القانون السوري!


نساء سورية، (محطات في الحملة الوطنية لمناهضة جرائم الشرف في سورية)

خاص: نساء سورية

0
0
0
s2smodern